حتى لا نفقد التوازن

  • 2/23/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

لا حاجة إلى التأكيد على أننا نجتاز في سوريا الآن، بكل مكوِّناتنا وأطيافنا وتخندُقاتنا أصعبَ وأدقَّ وأخطرَ المراحل في تاريخنا الحديث، ولم يعد توزيع الاتهامات والإفصاح عن لوم هذه الجهة أو تلك يعنيان شيئاً، في ظلِّ خمسة احتلالات خارجية مباشرة، وضعفها، من ميليشيات متعاقدة في أطر الحرب بالوكالة. ولم يعد الصوت مسموعاً حتى لو كان من باب الاستغاثة أمام أصوات انفجارات أحدث الأسلحة الفتاكة (الشرقية والغربية الناتوية والوارسوية)، المصوبة من الجو والبر والبحر، والأخطر من هذا وذاك حالة الضياع والعصبية وفقدان الثقة والتشكيك المتبادل، التي تسري كالنار في الهشيم بين أوساط السوريين. في مثل هذه الأوقات الاستثنائية العصيبة يقتضي الواجب القومي- الوطني- الإنساني- الأخلاقي نوعاً من التماسك والثبات والسيطرة على المشاعر والأعصاب، وأمام عجز الأحزاب والحركات السياسية الممسكة بسلطة القرار، والمشاركة في تحمل مسؤولية المآل، والنتائج، من تقييم الأوضاع وتوضيح أسباب الأزمة وسبل حلها، مع الانغماس أكثر، والتورط في إهراق الدماء البريئة على مفكري وحكماء الوطن القيام بدورهم في التهدئة، وتشخيص الأزمة، وتحديد مهام حلها، وتحويل المشهد السلبي إلى جالب للأمل بدل الإحباط، وإنقاذ ما تبقَّى من شعبنا من الانتحار، وما سلم من البلاد من الدمار والخراب. قد يمكن المضي ساعات وأياماً وشهوراً وإلى ما لا نهاية في الجدل البيزنطي الدائر الآن في صفحات التواصل الاجتماعي، وعلى المنابر الإعلامية والفضائيات، حول قشور الأزمة الوطنية في سوريا، والانتصار لهذا الحزب أو ذاك، والمفاضلة "الخاطئة" لهذا الاحتلال على ذاك، وتفضيل هذا النظام المستبد على نظيره الأقل، أو الأكثر استبداداً ودكتاتورية، والاستسلام أمام المشاعر الزائفة، حتى لو كان على حساب إهراق المزيد من الدماء، والاستقواء بهذه القوة الدولية العسكرية المحتلة، أو تلك، وبناء جبال من الأوهام الخيالية التي لا يتقبَّلها المنطق السليم، أو المراهنة الخاسرة ولمرات على مَن أصبحنا من ضحايا خذلانهم منذ عقود وإلى الآن. وإذا كان الشيء بالشيء يُذكر، فإن الحالة المستعصية الاستثنائية الراهنة لا تتقبل الكلمة الصادقة بقدر ما تستهوي أكثر العناصر انتهازية وتملقاً ومزايدة، ومسايرة للظلم والسلطة، وقد لمست من معايشتي الخاصة على الأقل في المحيط الكردي السوري مدى انتعاش المصطادين في المياه العكرة، فقد ظهرت عينات انتهازية لتلعب في الوقت الضائع، بعضها من خارج العمل الوطني، كانت تنتظر سقوط كل شيء، حتى تقنع النفس بأنها كانت على حق، والبعض منها كيدية خبّأت أحقادها لتفجيرها بالوقت المناسب. ولا ننسى هنا فئة (عليَّ وعلى أعدائي)، ومجموعات هامشية من المغمورين اعتقدت أن الفرصة "الإعلامية" سانحة لها لإثبات الذات، خاصة أن غالبية وسائل الإعلام الكردية والعربية في منطقتنا تُدار من جانب أجهزة سرية وأحزاب فاسدة. علينا الأخذ بعين الاعتبار أن قطار المراجعة النقدية الجادة قد فات كلاً من حركة "المعارضة" السورية، والحركة الكردية، وأن الإخفاق والعجز والفشل سيد الموقف، وإذا كانت الحركات السياسية التي تصدَّرت المشهد السوري منذ سبعة أعوام، عربيةً كانت أم كرديةً أم غيرها، قد عجزت ليس في تحقيق الانتصار فحسب؛ بل في تفسير الهزيمة أيضاً، أسباباً ونتائج وحلولاً، فيعني ذلك أن أمامنا نحن السوريين طريقاً طويلاً وظروفاً صعبة، وعلى عاتقنا مهام وطنية انقاذية عاجلة، علينا بصددها الإجابة عن جملة من التساؤلات الجوهرية المصيرية، من بينها: تقييم الماضي واستخلاص النتائج فيما يتعلق بالتجربة السورية في الثورة الربيعية، والنظام السياسي المطلوب على أنقاض نظام الأسد الاستبدادي، والعملية السياسية في سوريا وما لها من حظوظ، والعلاقات الكردية العربية، وسبل حل القضية الكردية، والظروف الإقليمية المحيطة بالقضية القومية الكردستانية، وتحديد الصديق والخصم والعدو. قلنا سابقاً وتأكَّد ما توقَّعناه عن فشل وعجز "السيستم" الحزبي الكردي، في حمل المشروع القومي والوطني، وفي تحقيق الحد الأدنى من الوحدة والاتحاد، وفي إيجاد العلاقات السوية المناسبة بين الكرد والعرب والمكونات الأخرى، والحفاظ على اللُّحمة، والأواصر المشتركة، وصيانة المجتمع من الحروب، والهجرة، وعدم الركون لقرار الخارج، وصولاً إلى بناء الشخصية الوطنية الكردية السورية المستقلة، وعدم السماح بتحريف المطالب والحقوق الكردية، وتحويل قضيتنا إلى ملحق أو ساحة للمعارك مع الآخرين، بدل ذلك نرى أن سلطة الأمر الواقع بقيادة "ب ي د"، كفرع سوري لـ "ب ك ك" تعمل بكل الوسائل الإجرائية لإزالة أي أثر لتاريخ حركتنا الكردية، بل محو الذاكرة الشعبية حول تراثنا وروادنا الأوائل ومناضلينا، وكأن التاريخ بدأ بيوم لقاء السيد عبدالله أوجلان بجميل الأسد. نعم بكل صراحة ووضوح، فإن ما وصلنا إليه الآن، إضافة إلى مسؤولية الارتداد الفكري والسياسي الذي نلمسه الآن بين بعض الأوساط الكردية السورية، تعود إلى مَن تصدَّروا المشهد من الأحزاب الكردية، ومن تجلياتها السلبية القاتلة: إفراغ المناطق من السكان الأصليين، والاستهتار بالدماء الكردية، وزرع الشكوك، وعدم الثقة، ومضاعفة الفساد والإفساد، وخلخلة الصفِّ الكردستاني، والإساءة إلى إنجازات إقليم كردستان العراق، وتعميق الفتنة العنصرية على أساس قومي، وتصفية القضية الكردية السورية، وتحويلها إلى بازار لحروب عبثية لا مصلحة للكرد فيها من قريب أو بعيد، واختيار تحالفات (محلية وإقليمية ودولية) لا تحصى، لا تستند إلى مبادئ، ولا تركن إلى وثائق واتفاقيات والتزامات من جانب الآخرين. نظام البعث، وخصوصاً في عهد عائلة الأسد، هو مَن وَضَعَ مخططات الحزام والإحصاء والتهجير، وحَرَمَ شعبَنا من كل حقوقه، وجرَّده حتى من حقِّ المواطنة، ومن الحقوق المدنية، وفَرَضَ عليه القمعَ والحرمانَ، وصفَّى مناضلي الكرد، وشقَّ حركته السياسية الجادة في عهد "محمد منصورة"، واستحدث مخططَ "تكريد الصراع" وعمَّق الخلافً والتقاتل ضمن الحركة الكردستانية في الجوار، وافتتح التعاون الثنائي (السوري- التركي ثم الثلاثي بإضافة الإيراني) ضد الحركة الكردية، ودشَّن اتفاقية "أضنة"، وقتل شبابنا ومناضلينا بالعشرات، بينهم الشيخ الخزنوي، ومشعل التمو وآخرون. أقول نظام بهذه المواصفات بات محل مفاضلة من جانب البعض، ومنقذاً لأهلنا في عفرين؟! أليس هذا من معجزات الأحزاب؟!. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مشاركة :