القامشلي (سوريا) - بعد إلقاء القبض على الآلاف منهم، يحاكم العراق عناصر تنظيم الدولة الإسلامية الأجانب بشكل سريع فيما لا يزال الموقوفون في سوريا ينتظرون معرفة مصيرهم مع تفضيل القوات الكردية ترحيلهم إلى دولهم لمحاكمتهم فيها. وبخلاف العدد الكبير من الفرنسيين الذين جرى توقيفهم خلال الأشهر الأخيرة على وقع هزيمة تنظيم الدولة الاسلامية في العراق وسوريا، حوكمت الفرنسية ميلينا بوغدير (27 عاما) بشكل سريع في العراق وسترحل قريبا إلى بلادها. وحكم القضاء العراقي الاثنين بسجن بوغدير لسبعة أشهر وهي مدة التوقيف التي قضتها في السجن. واكتفى بإدانتها لدخولها العراق "بطريقة غير شرعية". ومن المقرر أن ترحَّل قريبا على أن يتم احتجازها للاستماع إليها من قبل دوائر مكافحة الارهاب لدى وصولها إلى باريس. وبوغدير واحدة من آلاف المعتقلين الأجانب الذين تم توقيفهم في العراق وسوريا لصلتهم بتنظيم الدولة الاسلامية من قريب أو من بعيد. وفي العراق وحده، اعتقل أكثر من ألف شخص بينهم 560 امرأة وأكثر من 600 طفل وتتم محاكمتهم تباعا على غرار بوغدير. وخلال شهر يناير/كانون الثاني، حكمت بغداد على مواطنة ألمانية بالإعدام بعد إدانتها بـ"الدعم اللوجستي ومساعدة تنظيم إرهابي في ارتكاب عمليات قتل". كما أصدرت الأحد عقوبة الاعدام بحق امرأة تركية. وأعربت باريس عن تأييدها لمحاكمة مواطنيها الجهاديين المعتقلين في كل من العراق وسوريا، مشيرة إلى أنها ستتدخل في حال انزال عقوبة الاعدام بحقهم وذلك برغم مطالبة عائلات الموقوفين والمحامين بمحاكمتهم في فرنسا. ويطالب عدد قليل من البلدان باسترداد رعاياه، خصوصا في أوروبا حيث نفذ التنظيم هجمات دموية أرعبت الرأي العام في السنوات الأخيرة. ولا تطرح محاكمة الجهاديين اشكالية بالنسبة إلى السلطات العراقية التي أعلنت في ديسمبر/كانون الأول 2017 الانتصار على تنظيم الدولة الاسلامية بعد ثلاث سنوات من سيطرته على مساحات شاسعة في العراق. ويوضح المتحدث الرسمي باسم مجلس القضاء الأعلى في العراق القاضي عبدالستار بيرقدار قائلا "هؤلاء الأشخاص قتلوا واستعبدوا النساء وارتكبوا جرائم حرب على الأراضي العراقية والقانون العراقي يسري عليهم". وفي الجهة السورية من الحدود، تبدو الصورة أقل وضوحا على رغم اعتقال قوات سوريا الديمقراطية وهي فصائل كردية وعربية مدعومة من واشنطن، عددا أكبر من الجهاديين الأجانب المشتبه بهم مع عائلاتهم وضمنهم 40 فرنسيا على الأقل. ويقول مسؤول مكتب العلاقات العامة في قوات سوريا الديمقراطية ريدور خليل "اعتقلنا الالاف من الجهاديين الأجانب الذين يتحدرون من أكثر من 40 دولة ونواصل عمليات الاعتقال كل يوم". ويطرح وجود هؤلاء وفق عبدالكريم عمر، مسؤول هيئة العلاقات الخارجية في الادارة الذاتية في إقليم الجزيرة (محافظة الحسكة) "معضلة كبرى" للسلطات الكردية المحلية التي تشغلها راهنا أولويات أخرى، أبرزها الهجوم الذي تشنه تركيا مع فصائل سورية موالية لها على منطقة عفرين ذات الغالبية الكردية في شمال سوريا. ويوضح خليل بدوره قائلا "نريد أن يحاكم الجهاديون الأجانب في بلدانهم" لتجنب الارتباك القانوني واللوجستي في آن معا. "ورقة رابحة" ويسيطر المقاتلون الأكراد منذ العام 2012، على مساحات واسعة في شمال وشمال شرق سوريا قسموها الى ثلاثة أقاليم هي الجزيرة (محافظة الحسكة) والفرات (تضم أجزاء من محافظة حلب وأخرى من محافظة الرقة) وعفرين (تقع في محافظة حلب). وتتولى الادارة الذاتية تسيير شؤون هذه المناطق من خلال مؤسسات لا تزال ناشئة وتفتقد عمليا لنظام قضائي معترف به على الصعيد الدولي. ويتساءل خليل "بناء على أي قانون سنحاكمهم؟"، مضيفا "ليس لدينا سجون كبيرة" لإيداع الجهاديين بعد محاكمتهم. وأوضح "نريد تسليم سجناء التنظيم الأجانب إلى بلدانهم"، مشيرا إلى اتمام اتفاقيات بشأن ذلك مع روسيا واندونيسيا. وإزاء عدم المرونة الذي تبديه دول أخرى كفرنسا، فإن الأكراد الذين يفتقدون للدعم والاعتراف الدولي بمواجهة تركيا تحديدا، لا يقطعون الطريق أمام احتمال اجراء المحاكمات لديهم. وقال مسؤول هيئة العلاقات الخارجية في الادارة الذاتية في إقليم الجزيرة "إن لم نتمكن من تسليمهم، فسنحاكمهم هنا"، مشيرا إلى أن التوصل إلى اتفاق مع كل بلد معني يستغرق وقتا طويلا، عدة أشهر على الأقل. وغالبا ما تكون الأحكام التي قد تصل إلى السجن لمدة 20 عاما بسبب ارتكاب أعمال إرهابية، قابلة للتخفيف أو للتعديل عند التطبيق. ويندد محامو الفرنسيين المعتقلين في سوريا وعائلاتهم بوضعهم الملتبس ويخشون من أن يتحولوا إلى رهائن عرضة للمساومة الجيوسياسية. ويقول المحامي الفرنسي مارتن برادل الذي يدافع عن عدد من المعتقلين الفرنسيين في مناطق سيطرة الأكراد في سوريا "يدرك الأكراد تماما أن السجناء الأجانب هم الورقة الرابحة في لعبتهم".
مشاركة :