انضوى عدد من المقاتلين الغربيين من فرنسا، بريطانيا، اليونان، ودول غربية أخرى، في صفوف الفصائل الكردية ومنهم من يشارك اليوم في التصدي لتقدم الجيش التركي والقوات التي تدعمها أنقرة في بلدة عفرين شمال سوريا، أين تشن أنقرة منذ 20 كانون الثاني/يناير الماضي عملية "غصن الزيتون" العسكرية ضد الفصائل الكردية هناك. فمن هم هؤلاء المقاتلين وما الذي دفعهم إلى المشاركة والتضحية بأنفسهم في "الثورة الكردية"؟ قرر عدد من الغربيين والذين ينتمي أغلبهم إلى تيار "أقصى اليسار" القتال تحت لواء الفصائل الكردية التي تواجه الجيش التركي في بلدة عفرين السورية (شمال)، أين أعلنت أنقرة منذ العشرين كانون الثاني/يناير المنصرم، إطلاق عملية عسكرية ضد المقاتلين الأكراد في هذه المنطقة الخاضعة لسيطرتهم. ومن بين الغربيين الذين حملوا السلاح ضد قوات الجيش التركي والفصائل السورية المدعومة من أنقرة في عفرين، الفرنسي أوليفيه لوكلانش (40 عاما) الملقب "كاندال بريز". وينحدر لوكلانش الذي قتل في قصف تركي في 10 شباط/فبراير الجاري، من منطقة بروتاني الفرنسية (شمال غرب). وكان قد التحق بالوحدات الكردية قبل أشهر. ولم تؤكد باريس رسميا مقتل لوكلانش برغم نشر "وحدات حماية الشعب" الفرع السوري لحزب الاتحاد الديمقراطي، في 18 فبراير بيان مقتل الفرنسي في سوريا، إلى جانب مقاتل آخر من إسبانيا هو سامويل برادا، والهولندي سغورد هيغر. في ذات الشأن، أكد خبراء في تصريحات لفرانس 24، التحاق ما بين 100 و400 مقاتلا غربيا بـ "وحدات حماية الشعب" الكردية في سوريا. منهم مجموعة لا بأس بها من الفرنسيين، وأيضا من الولايات المتحدة، بريطانيا، اليونان، ألمانيا، وإيطاليا. وكان قتال تنظيم "الدولة الإسلامية" في الأساس هو ما حض الغربيين على الانضواء تحت لواء ما أطلق عليه الأكراد "كتيبة المقاتلين الأمميين". لكن "وحدات حماية الشعب" أعلنت لاحقا في بيان نشرته على موقعها الرسمي في 26 كانون الثاني/يناير الماضي، التحاقعدد من المقاتلين الغربيين بصفوفها في سوريا "للدفاع عن عفرين" أين تدور رحى المعارك بين الفصائل المسلحة الكردية والجيش التركي والقوات التي يدعمها. صورة نشرت على تويتر تظهر غربيين قتلوا في عمليات لجانب الأكراد في عفرين السورية 3 International fighters martyred in the Resistance of Rojava. Hv. Kendal Breizh (France) and Hv. Baran Galicia (Spain) fallen in Efrin. Hv. Baran Sason (Dutch) fallen in Derezor. Şehid namirin #EverywhereAfrin#Afrin#Syriahttps://t.co/HrFHFiSg5Apic.twitter.com/njwXf34TL0 IC Afrinresistance (@ICafrinresist) 18 février 2018 عسكريون سابقون، يساريون متطرفون، ومغامرون! الظاهرة التي تبقى محدودة، ليست وليدة الساعة. فمنذ 2013 نحو 1500 و2000 مقاتلا التحقوا بصفوف الأكراد لمدة لم تتعد غالبا 6 أشهر. وبينما تنقل بعضهم بين سوريا وبلدانهم الأصلية، غادر البعض منهم بسرعة وبشكل نهائي، فيما دفع آخرون حياتهم ثمنا لتلك الحرب. ولقد شكلت معركة "كوباني" محفزا هاما لالتحاق الأجانب بصفوف الوحدات الكردية، وحوصرت "كوباني" أو مدينة عين العرب السورية ذات الغالبية الكردية (شمال) من قبل عناصر تنظيم "الدولة الإسلامية" لعدة أشهر في 2014. وعن دورهم في تلك الحرب، صرح أوليفيه لوكلانش مطلع سنة 2018 لموقع "فرانس إنفو" خلال تواجده في مدينة دير الزور السورية أنه "بالنظر لما يرتكبه داعش بحق السكان، يمكن القول إننا نؤدي مهام إنسانية، لكن الفرق أننا لا نستخدم نفس الأدوات". وعموما، يمكن إدراج المقاتلين الغربيين في ثلاثة أصناف: عسكريون سابقون أغلبهم "أنجلوساكسونيون" يتبنون أفكار اليمين المتطرف. وناشطون من تيار أقصى اليسار (شيوعيون، ماركسيون، ناشطون في مجال الحريات، مدافعون عن البيئة، مناهضون للفاشية...) وهم في مجملهم من اليونان، ألمانيا، إيطاليا. كما يوجد المغامرين الذين لا يملكون أي خبرة عسكرية أو نضالية، ومنهم ممثلون من هوليوود، عارضو أزياء من كندا وبنكيون بريطانيون...). عفرين، جبهة للمواجهة السياسية بامتياز! لقد غيرت عملية "غصن الزيتون" العسكرية التركية في عفرين السورية طبيعة المعركة، فالحرب التي جاء الغربيون للمشاركة إلى جانب الأكراد ليست ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" بل ضد دولة ذات سيادة، تركيا. وسمح وجود عدد من الخصائص المشتركة بين الأكراد والمقاتلين الغربيين خصوصا منها الفكر اليساري والثوري، بتجانسهم، كما يقول غيليوم كورنو-ترامبلي الباحث في العلوم السياسية بجامعة "لافال" الكندية. الفرنسي سيرهاد تيكون (21 عاما) واحد من هؤولاء الأجانب الذين بقوا في عفرين للقتال مع الأكراد. في تصريح للمجلة الإلكترونية "لاندي ماتان" نشر في 28 كانون/الثاني الماضي، قال إنهم "عشرات من الأجانب في المنطقة. وليس بالأمر المفاجئ إنهم يحملون جميعهم قضية سياسية (ثوار)"، مشيرا إلى أن رفاق السلاح من وحدات "حماية الشعب الكردية" يعتبرون عفرين أصعب مرحلة في مسار "روجافا" وهي أيضا معركة سياسية أكثر من عسكرية". وأضاف تيكون "هنا نشارك فعلا في حرب ...لكن نشارك قبل كل شيء في ثورة غير كاملة، ناقصة، ومحل انتقاد، لكنها من أعظم الفرص التي تسمح لمعسكرنا بالانتصار". ويصنف تيكون نفسه من أتباع تيار "البلانكية" وهو مفهوم ينسب إلى لويس أوغست بلانكي الذي كان يرى أنه لا يمكن أن تنجح الثورة سوى بدعم من مجموعة صغيرة من الثوار المنظمين. حتى أن الفرنسي أوليفيه لوكلانش الملقب "كاندال بريز" كان يعتبر نفسه شخصا "ثوريا". ولوكلانش صحفي واستقلالي بروتاني، صرح في تموز/يوليو 2017 لأحد زملائه في إذاعة "راديو بلو" الفرنسية أنه قد حمل السلاح للمشاركة في "ثورة روجافا (كوردستان السورية) " أكثر منه لمحاربة تنظيم "الدولة الإسلامية". ومصطلح " روجافا " هو اسم يطلقه الأكراد على وهي منطقة في شمال سوريا خاضعة لسيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" هذا التحالف العسكري الذي تهيمن عليه "وحدات حماية الشعب" و"وحدات حماية المرأة" الكردية. ومنذ 2014، يحاول هذا التحالف إنشاء نظام سياسي مستقل يتمتع بالحكم الذاتي في منطقة واسعة النطاق من سوريا. وهي مساع مستوحاة من مؤسس وزعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان، لكن دون التركيز على القومية الكردية، فيما يحمل التحالف الجديد شعار المساواة الاجتماعية والمشاركة واحترام الأقليات والدفاع عن البيئة. الحساب الرسمي لموقع "الصداقة الكردية البروتانية" على تويتر ⚡️ “Kendal Breizh”https://t.co/AhZPzwwvfJ Amitiés kurdes de Bretagne (@AmKurBret) 19 février 2018 حركة ثورية أممية! وراق اعتماد تحالف "قوات سوريا الديمقراطية" لتلك المبادئ لحركات فرنسية عديدة تنضوي مجملها تحت تيار أقصى اليسار، فمثلا، نشر ناشطون من تيار "زاديست" في منطقة "نوتر دام دي لاند" بيانا يعبرون فيه عن تضامنهم مع " روجافا " باسم "الأممية" الثورية، وفي المقابل، رد مقاتلون من " روجافا " الكردية بنشر صور تضامن مع حركة "زاديست" الفرنسية، تم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي، ومنها صورة علم "بروتاني المناهضة للفاشية". ولعل المتتبع للعلاقة بين تلك الحركات "الثورية" يلاحظ أوجه الشبه بين إيديولوجيتها، ففي شمال سوريا يحاول الأكراد فرض نظام الدولة العلمانية، المدافعة عن المرأة، التشاركية، واليسارية، على أساس مبدأ الإدارة الذاتية، وهو يبدو نموذجا ألهم أتباع تيار أقصى اليسار الثوري في دول أوروبية على رأسها فرنسا. كما أنهما يشتركان في معاداة تيار "الإسلاموية الراديكالية"، بحسب ما قاله جون إيف كاميس، وهو باحث فرنسي متخصص في الحركات المتطرفة في أوروبا. وبالمحصلة، لا يبدو أن الرجوع إلى دولهم الأصلية، يقلق هؤلاء المقاتلين الغربيين، لكن بعض الخبراء والباحثين حذر من مخاطر قد يشكلها هؤلاء مستقبلا. سارة لودوك (اقتباس: أمين زرواطي) نشرت في : 25/02/2018
مشاركة :