أثلج صدري الخبر عن فوز البحث المعنون بـالمرجعية المنهجية لقياس التفاعلية في الإعلام الجديد المقدم من الأستاذ الدكتور عبدالله بن صالح الحقيل بجائزة الإيسيسكو - المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة أو ISESCO ، ومقرها الرباط بوصفه أحسن بحث أكاديمي في مجال الإعلام الجديد في العالم العربي لعام 2014م. وقد فاز هذا البحث بالجائزة من بين ثمانين بحثاً في مجاله. وبقدر ما أثلج صدري هذا الخبر إلا أنني حزين لأن الموضوع لم يتعد نشره كخبر في مربع صغير، ولولا المصادفة وحدها التي قادتني لقراءة الخبر لما عرفت عنه. ولمن لا يعرف من هو صاحب هذا البحث، فهو الدكتور عبدالله الحقيل من الذين يعدون على الأصابع في العالم العربي المتخصصين في علم الإحصاء، وتشرفت وكنت محظوظاً أن أكرمني الله - عز وجل - بأن يدرسني الدكتور عبدالله هذه المادة الحساسة، واستطعت بتوفيق الله - عز وجل - ومن ثم بجهود هذا الرجل العظيم أن أكوّن تصوراً كان لي بمنزلة المفتاح الذي قادني لإكمال دراستي ورسالتي للدكتوراه. وللأسف، لا تزال مادة الإحصاء مهملة في كثير من الدول العربية، إن لم تكن جميعها، وهي - وللأسف - أحد الأسباب الرئيسة في تخلف دول العالم العربي أو معظمها عن ركب الحضارة والتقدم العلمي؛ ذلك أننا نفتقر للتخطيط المنهجي المبني على دراسات، والدراسات لا بد لها من متمكنين في عملية التحليل الإحصائي مثل الدكتور عبدالله. ويد واحدة ما تصفق. وأمثال الدكتور عبدالله كثر، لكن تسليط الضوء عليهم هو ما تفتقر إليه معظم مؤسساتنا التعليمية؛ فهؤلاء ندرة ممن مَنَّ الله عليهم بالعقول النيرة والفهم السليم؛ ولذلك ينبغي أن تكون لهم معاملة خاصة، وأن ينزلوا منازلهم، لا أن ينظر إليهم كأعضاء هيئة تدريس تقليديين، يحضر الصباح ليؤدي ما عليه من نصاب تدريسي، ومن ثم يغادر. مثل الدكتور عبدالله في الدول المتقدمة يديرون مراكز أبحاث، وتسخَّر لهم الميزانيات الضخمة التي تمكّنهم من إجراء الأبحاث في كل المجالات التي يحتاج إليها المجتمع والمخططون وواضعو السياسات في الصحة والتعليم والإسكان والنقل والتأمين؛ ليتخذ المخطط أو صانع القرار قراره بناء على أرقام وإحصاءات علمية، لا تخيلات أو انطباعات أو تنبؤات لم نجنِ منها إلا الويلات في كل مناحي الحياة. وأعتقد أن الجميع يشاهد حركة إعادة حفر معظم الطرق لدينا، وإعادة تصميمها، بسبب أنها صممت منذ البداية بشكل اجتهادي، ولم ينظر أو يؤخذ في الحسبان نمو المجتمع وتزايد أعداد المواطنين، وعدد السيارات، وأعداد المنازل.. وهو ما ندفع ثمنه الآن من أرواح أزهقت بسبب الحوادث المرورية، ومن تعطيل للشوارع قد يمتد لسنوات، وزحام مروري نحن في غنى عنه. وكذلك، من اللافت للنظر أننا ورغم التطور الملحوظ وتزايد عدد الأطباء الاستشاريين الذين تعج بهم مستشفياتنا إلا أننا ما زلنا نسمع عن طلب علاج مريض خارج السعودية، واستكمال علاج مريض خارج السعودية، وإرسال عينة لدولة أجنبية لعمل التحليل المطلوب لعدم توافر معمل في المملكة يمكن أن يجري هذا النوع من التحاليل.. فهل نحن بحاجة لذلك؟ ألم نصل إلى مستوى يمكننا من الاكتفاء فنياً وتقنياً في مثل هذه المجالات؟ أما بالنسبة لي فمرد ذلك إلى غياب الدراسات التي من شأنها أن تضعنا أمام حقيقة متطلباتنا الفعلية من المستشفيات والمعامل والتخصصات بكل دقة ووضوح، وتمكّن المخطط من استقراء واستشراف المستقبل بشكل واضح وصحيح بنسبة كبيرة. ولذلك، أطالب معالي الدكتور خالد العنقري، وزير التعليم العالي، بأن يضع موضوع الاستفادة من أمثال الأستاذ الدكتور الحقيل أولوية من خلال إطلاق يدهم في مجال البحث العلمي، وإنشاء مراكز دراسات عدة بإدارة هذه العقول النيرة؛ فالسعودية تمر بأهم مرحلة يمكن أن تمر بها دولة، وهي تمثل تحدياً كبيراً للمخطط وصانع القرار، ولكن بالدراسات يمكن تذليل الصعوبات، وإحالة المعضلات إلى لغة الأرقام تبسط الكثير، وتسهل على متخذ القرار فهم ما هو مقدم عليه.. والأهم من ذلك كله، تحدِّد حاجتك الفعلية لما تريد، وتحمينا - بتوفيق الله - من المجازفة بأموال طائلة فيما لا فائدة منه. وعتبي على أجهزة الإعلام والقنوات السعودية والعربية التي مر عليها موضوع هذا البحث وجائزته مرور الكرام، في الوقت الذي نحتاج فيه لمن يسلط الضوء على ما جاء في البحث الذي لا أشك أنه ثري كثراء عقل صاحبه. فهنيئاً للوطن بك يا دكتور عبدالله، وإلى الأمام والمزيد من النجاحات التي أنت أهل لها.
مشاركة :