وسط تعدد وتنوع وتأكيد قسوة الفقر الذي كان واقعاً لا تعرف بادية الجزيرة العربية ولا سكان القرى.. حيث وقتها لم تكن هناك مدن إلا مكة والمدينة.. لا تعرف بادية الجزيرة أي واقع معيشي أو نوعيات علاقات ما هو متواجد غير الفقر.. يقول الشاعر: خمسة عشر فنجال لحنيف صبيت لو هو يروي قربة قد ملاها فيرد على المضيف: لا تحسبني من دلالك تقهويت ما تنجه الشراب من كثر ماها.. «أي ما تكفي» وشاعرنا المبدع في عصر جهلنا وفقرنا ابن لعبون عندما قذف به الفقر السائد على الجميع نحو موقع الشمال الشرقي بالنسبة للجزيرة العربية.. وعرف كيف ينوع مجالات الشعر، لكنه عندما فقد حبيبته بإقبالها على الزواج من إيراني وكان يسميها «مي» في حين كان اسمها الحقيقي «هيلة».. والله لولا الحيا واللوم لا اصيح وأقول «يا هيله» سفاح دمعي عليك اركوم مثل الدوالي هماليله شومي رماك القدر بسهوم وان راطنك «خوب» قولي له يا مال نجم حدته انجوم يدق ديلم ومن هي له من ناحية أخرى كان مع منافسه ابن ربيعة يتبادلان الهجاء لكن عندما تم استبعادهم هاجرا بالتوجه سيراً بالأقدام من قرية إلى أخرى.. ومع توالي مسارات قسوة الفقر فإن الشاعر الرائع ابن سبيل في أول بداية هذا العهد السعودي كان يتبادل قسوة مضامين الشعر مع رجل الدين في قريته المعروف بمطوع نفي.. نموذج للشعر يقول ابن سبيل: امطوع يا مال كشف المغطى ياخذ على رقي المنابر شروطي أيضاً: مطوع نفي قابل مطوع هل العين والكل منهم الله اعلم بدينه يرد المطوع من جملة قصائد: اللي يسبون الأئمة شياطين من التسعة اللي خربوا بالمدينة ونعم بهم وإن كان نعمين ما يذبحون إلا الفتاة السمينة وإذا كان ابن سبيل لم يعايش البداية البسيطة للتطور العلمي فإن شاعراً اعتبر نفسه محظوظاً لأنه قال عن واقع ذاته في «راس تنورة»: يا عبيد من ينشدك عنا عمال في راس تنوره من فوق سفنٍ يشيلنا عمال والنفس مخطوره شط البحر قبلةٍ عنا بديار من يلعب الكوره «ملاحظة لم يكن يعرف الكوره من قبل» قل للبني لا تباطنا نمضّي الحول ونزوره قل له ترانا تمدنا كلن يولع بدافوره يذهلك كيف أورد التوثيق من وجود مدنية ذلك الوقت، لقد قدم مهمة الدافور لإنجاز شاي أو طعام كمرحلة انتقال من نار الحطب.. ما سبق هو نماذج قليلة جداً من مراحل قسوة فقر الجزيرة العربية عبر سنوات بالمئات قبل أن تصل إلى بداية واقعها الراهن.. لكن ما هي المتاعب والمخاوف في واقع غيرنا وما أصبحوا يمثلونه من مخاطر.. غداً نتواصل..
مشاركة :