لو تكلمنا عن الإبداعات الذهنية والعقلية فسنجد أن مجموعة كبيرة من أهالي مناطق نجد الوسطى سارعت بحثاً عن الرزق والمعيشة في العراق والبحرين والكويت والهند، لهم ولمن يعولون في أوطانهم الأصلية، وليس لديهم إبداعات أخرى هاجروا من أجل تطويرها أو اكتشاف الجديد فيها أو العصري، كالأدب بما فيه من شعر ونثر ومسرح وموسيقى وإخراج، أو مهارات في الفنون الجميلة كالتلوين والنحت والإضاءة. برعوا في شيء يحتاجونه أكثر كالبيع والشراء والدلالة، وغير المؤهل أو الكفؤ في ذلك ذهب إلى مهنة الحراسة (النطارة) أو الغوص. بعض الكتابات الصحفية التي تسمى التحقيقات ذكرت أن سببا جعل المهاجرين النجديين إلى البصرة يفضلون الإقامة في الزبير، الحزام الصخراوي لمدينة البصرة، هو اضطراب الأمن في البصرة بين الفينة والأخرى من استبداد بعض ولاتها، وهجمات الفرس عليها طمعاً في الاستيلاء عليها، وهجمات البوادي لنهب خيراتها. ولهذه الأسباب آثر المهاجرون النجديون السكن والاستقرار في الزبير،، حيث إنها كانت في طريقهم من بلادهم نجد إلى البصرة وعودتهم، وقد أحسنوا الاختيار ووفقوا فيه. وقد أهملت تلك الكتابات كون الزبير بيئة ومجتمعاً وحركة تجارية تشابه إلى حد بعيد مناطقهم الأصلية في نجد. كذلك التحفظ الأسري ومراعاة الجوار واحترام المحارم والبعد عن الملهيات (الملاهي) والرقص الذي كان سائداً في أكثر من حارة في البصرة، والتجمهر حول أبواب السينمات. وشوهد أهل الزبير يؤدون العرضة النجدية في الأعياد تماماً كما يفعلون في مناطقهم في نجد. مرّ زمن كان فيه أعضاء الغرفة التجارية في مدينة البصرة بجنوبي العراق، من ذوي الأصول العائدة إلى الإقليم الأوسط من نجد في المملكة العربية السعودية، وكان أولئك الأعضاء منتخبين إما لسعة تجارتهم وحسن تعاملهم أو لقدرتهم الفائقة في معرفة الناس والسوق. ولا أغل إذا قلت إن نائب رئيس الغرفة في يوم ما كان من منطقة القصيم.. عندما فعل الشح والقلة والندرة فعله في نجد هاجر من لديهم القدرة على الكسب إلى بلدان مجاورة مثل البحرين والعراق والكويت والشام. وإلى بلدان غير مجاورة مثل الهند حيث كونوا تجارة رابحة ومزدهرة. وطوال عملهم بقيت حياتهم الخاصة بعيدة بعض الشيء عن كل مغريات الحياة المدنية غير المستحسنة اجتماعياً ودينياً. أستثني من اولئك من تطور في التربية والتعليم منهم حيث كان وزير المعارف في العراق ذات يوم من جذور نجدية.. وكذلك مدير الشرطة السيارة – (النجدة حالياً) كان من عنيزة.. ولست بحاجة الى ذكر أعضاء البرلمان في العهد الملكي من غير ممارسي التجارة، بل كانوا في الحقوق والقانون والسياسة. كل أولئك لم تنقطع تحويلاتهم إلى ذويهم وأحبائهم في نجد إلى أن منّ الله على المنطقة بالخير والسعة.
مشاركة :