أجبرت ظروف الحرب آلاف العائلات على النزوح من مناطق مختلفة من سورية، لا سيما من أرياف اللاذقية الشمالية وحماة الجنوبية وإدلب الشرقية، نحو مناطق ريف إدلب الغربي الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة، وتحديداً إلى المخيمات المنتشرة على الشريط الحدودي مع تركيا. وتعيش هذه العائلات حياة صعبة في ظل قلة الدعم وغياب فرص العمل وعدم توافر دخل ثابت يؤمن حياة أفرادها، فضلاً عن غياب كثرٍ من المعيلين إما بسبب مقتل عدد كبير من الشباب في الحرب أو انخراط بعضهم فيها، ما دفع النازحات تحديداً إلى البحث عن فرص عمل وابتكار بعضها. وانخرطت فتيات ونساء كثيرات في أعمال لم تكن معهودة سابقاً أو أنها كانت حكراً على الرجال فقط، منها مثلاً البائعات الجوالات اللواتي يتنقلن بين المخيمات ومناطق النزوح حاملات البضائع والسلع، يعرضنها على الأهالي بهدف توفير المال الذي يتيح لهن في المقابل شراء حاجات أسرهن. كذلك، فضلت بعضهن العمل في التجارة في شكل ثابت من خلال فتح دكان صغير ضمن المخيم الذي يعشن فيه أو عرض بضائع ضمن خيمهن، حيث تترد النساء إليهن لشراء حوائجهن. وتعمل النسوة على تأمين الطلبيات من المراكز التجارية في المدن القريبة وإيصالها إلى المخيمات مقابل هامش ربح معين. مرام يوسف (23 سنة) تشتري البضائع من المحال التجارية والأسواق القريبة وتحتفظ بها في خيمتها وتعرضها على النازحات عند زيارتها، وهي تعتمد كثيراً على التقسيط وتعول على تحصيل ربح أعلى من بقية البائعات لأنها تمهل زبوناتها في الدفع وتسمح لهن بتسديد المبلغ على دفعات عدة وعلى راحتهن. وهي قامت بمبادرة أخرى في المقابل، إذ شجعت النازحات على إنتاج الأعمال اليدوية لتبيعها في الأسواق وتستوفي ثمن بضاعتها أو تعود عليهن بدخل بسيط أيضاً. وأول من شجع النساء على القيام بهذه الأعمال هن نساء أخريات يتحدين أيضاً ظروف الحرب والموروث الاجتماعي حيال عمل المرأة، ويوفرن حياة كريمة لأسرهن. فالمساعدة لا تقتصر على عائلة المرأة العاملة نفسها وإنما تتجاوزها إلى بقية العائلات النازحة من خلال توفير مستلزماتها بالتقسيط المريح، لذلك فقد تقبل كثيرون عمل الفتيات والنساء هذا، وبادلوهن الاحترام والاحتضان. تقول فريدة يوسف التي تعمل بائعة جوالة بين عدد من المخيمات، أنها تقوم بهذه المهنة منذ عامين ونصف تقريباً وذلك بعد وفاة زوجها. فهي أم لخمس فتيات واحدة منهن قتل زوجها أيضاً وتعيش معها هي وطفلاها. لذلك، فقد دفعتها الظروف الصعبة والحاجة إلى البحث عن عمل يؤمن لها مصدر دخل، مشيرة إلى أنه لا توجد خيارات للرجال أصلاً في الوقت الحالي، فالحياة شبه متوقفة والناس يقتصدون في حاجاتهم. وتقول فريدة أن فكرتها جاءت بعدما عانت في شكل كبير من عدم توافر الحاجات والمستلزمات الضرورية قريباً منها. فالأسواق والمحال التجارية بعيدة من المخيمات وتكاليف النقل مرتفعة. أما الآن فهي تشتري البضائع بسعر الجملة وتبيعها بالقطعة لسكان المخيمات، وتربح في كل قطعة ما بين 100 و300 ليرة سورية، وفي بعض الأحيان تبيع معارفها وبعض الأصدقاء بالتقسيط. البضائع التي تبيعها فريدة هي ألبسة نسائية وألبسة أطفال وأدوات تجميل وعطورات وأحذية، مؤكدة أنها تواجه صعوبة كبيرة في العمل فهي تتجول بين المخيمات طيلة النهار لتعرض البضائع على النازحين وتحملها على ظهرها من دون وجود أي وسيلة نقل أو من يساعدها، فضلاً عن أنها مجبرة على العمل في الظروف المناخية كافة سواء في أيام البرد الشديد والمطر أو في فصل الصيف القائظ. يذكر أن مخيمات النازحين في ريف إدلب الغربي التي تم تأسيسها منذ أعوام عدة تعتمد في شكل أساسي على ما تقدمه منظمات من مساعدات إنسانية، ويعيش السكان ظروفاً صعبة في ظل انتشار الفقر والجهل وعدم وجود أي جهة مسؤولة عنهم، فتنتشر عشرات الخيم أحياناً بين الأشجار بطريقة عشوائية وغير منظمة، ما يجعل عملاً كهذا أكثر صعوبة. لكن، وعلى رغم المردود المادي الضئيل جداً مقارنة بالجهد والتعب، تقول فريدة أن عملها يؤمن حاجات أسرتها ويعتبر أفضل من الحاجة والطلب من الآخرين. أما عائشة أبو العز البالغة من العمر 30 سنة، ففضلت أن تفتح دكاناً صغيراً لها داخل المخيم بدلاً من حمل البضائع والتنقل بها، معتبرة أن الأمر أسهل بهذه الطريقة، لا سيما أن زوجها مصاب بإعاقة دائمة حين تعرض منزلهم للقصف ولديها طفلان في حاجة إلى رعايتها وبقائها بجانبهما في شكل دائم. تقولعائشة أن فكرة عملها راودتها عندما وصلت إلى المخيم قبل عام ونصف تقريباً، وكانوا قد فقدوا كل ما يملكونه من ممتلكات وبيت وأرض تمت مصادرتها، والأسوأ إصابة زوجها. فقام عدد من النساء في المخيم بتشجيعها على البحث عن عمل أو تأسيس عمل مهما كان بسيطاً لتأمين دخل لأسرتها، في وقت لم يكن في المخيم الذي نزحت إليه دكان، فسارعت إلى تأسيس دكان صغير يلبي حاجة السكان من المواد الغذائية والمنزلية ويدر عليها دخلاً معقولاً.
مشاركة :