المال هو الشأن الذي يربطه البشر بالسعادة.. فمن يملك المال والصحة، يملك الاستمتاع والقدرة على بلوغ أقصى درجات السعادة، يحدث هذا رغم أن التوجيه الرباني أكد أهمية المال: "المال والبنون زينة الحياة الدنيا" لكن لم يربطه بالسعادة والحبور.. وهناك من يصنع السعادة من المال، وآخر يصنع المال منه إنسانا لاهثا عليلا تعيسا. إشكالية الربط بين المال والسعادة ما زالت مستمرة، والشعوب منذ بدء الخليقة عرّفوها عبر حكمهم ورواياتهم، وأحيانا من خلال طقوسهم الدينية، ومن خلال بحث بسيط عن هذا الربط لم أجد أكثر تشاؤما من الإنجليز في هذا الجانب ففي حكمتهم الشهيرة يقولون: "إن السعادة مستحيلة، لأن الإنسان ما بين الخامسة عشرة والعشرين يملك الوقت ويملك العافية ولكنه لا يملك المال، وبالتالي فإنه عاجز عن التمتع بالحياة، وبين العشرين والستين يمتلك المال ويمتلك العافية ولكنه لا يمتلك الوقت للاستمتاع بالحياة، وبين الستين والثمانين فإن الإنسان يمتلك المال ويمتلك الوقت ولكنه يفتقر إلى العافية، وبالتالي فإنه يبقى عاجزا عن الحصول على السعادة". هذه نظرتهم.. ولكل مفهومه وكثيرون يرون أن التقي النزيه المتعفف عن ما لدى الناس هو السعيد.. والمتعبد المنقطع عن الناس يجد سعادة فيما يفعله رغم أنه قد تخلص من عبء الوقت والمال.. لكن في زمننا الجاري خاصة في منطقتنا الملتهبة فإن البعيد عن شرور الربيع العربي وما جلبه من مآسٍ للبلدان العربية هو السعيد، ومن وقاه الله من جرائم داعش والقاعدة الوحشية هو السعيد، ومن حماه الله من براميل وشبيحة بشار هو السعيد.. ومن سلم من اضطهاد المالكي في العراق، وميليشيات إيران في لبنان واليمن فهو السعيد، وفي جميعها حتى لو كان لا يملك إلا ما يستر جسده. مفهوم السعادة الذي نريد تغير كثيرا من جراء أن الأمن والأمان باتا هما المصدر الأول للسعادة، لكننا وفي ظل أننا في مأمن من المنغصات المذكورة أعلاه إلا أننا نعيش التوتر ونبتعد عن السعادة كثيرا سواء من يملك المال أو من لا يملكه، والسبب أننا من جالبي المؤثرات التوترية لأنفسنا، ونجدها في مناهجنا الدراسية وقنواتنا التلفزيونية، ناهيك عن بعض خطب الجمعة وحواراتنا المتكررة فيما بيننا في البيت والعمل والشارع، فيها كلها نجد مفردة التنكيد حاضرة.. نجترها، تعلوها الحرب والتفجيرات والموت والقتل والخطر القادم والعذاب بعد الموت. حقيقة لم يعد يرتبط الأمر بالمال والعافية فقط، بل إنه أصبح أكثر ارتباطا بالسلامة من ظلم الآخرين، والنجاة من ويلات الطامعين الحاسدين، والمتلذذين بتصدير الثورات والقلاقل، والأكثر تأكيدا أن مفهوم السعادة أصبح عاما مرتبطا بحال الناس جميعا، لا يفرق بين الثري أو الذي لا يملك من المال شيئا، جميعهم في التوتر سواء، وما نتمناه أن تكون لدينا القدرة على منع أنفسنا من مثيرات التعاسة كالنشرات الإخبارية والصور والفيديوهات الخاصة بمشاهد القتل أو التعذيب التي أصبحت أكثر من الهم على القلب، لعلنا نسعد ولو قليلا.
مشاركة :