جاءت الليلة الثانية من ليالي مهرجان الفجيرة الدولي للفنون متنوعة، بين طرب وعروض فلكلورية على مسرح كورنيش الفجيرة، وحضور طاغٍ لـ«أبوالفنون»، في دبا، على خشبة جمعية الفنون، ليعيش قاصدو المهرجان خيارات فنية واسعة، تفصل بينها المسافة الضاربة بين المدينتين. نشوى مصطفى: أول نصوصي عاشت الفنانة نشوى مصطفى إحساساً منتشياً، بعد عرض «سيلفي مع الموت»، الذي تلقت في ختامه تصفيقاً حاراً قبل أن تتلقى درعاً تكريمية من مهرجان الفجيرة الدولي للفنون، سلمها إياه وزير الثقافة الكويتي الأسبق الدكتور محمد السنعوسي، بحضور مدير الديوان الأميري في الفجيرة بحضور محمد الضنحاني، ورئيس الهيئة الدولية للمسرح محمد سيف الأفخم. وفي تصريح، لـ«الإمارات اليوم»، أكدت الفنانة المصرية ترددها في خوض تجربة الكتابة المسرحية للمرة الأولى، نافية أن تكون قد تدخلت في الرؤية الإخراجية للمخرج محمد علام، الذي وصفته بالموهوب والمُتقن لأدواته الفنية. إلهام شاهين: أخبرنا وظيفتك أعربت الممثلة المصرية إلهام شاهين عن عدم رضاها عن مداخلة تضمنتها الندوة التطبيقية التي تلت العرض، وتحدثت بلهجة صارمة، دون أن يسمح لها مدير الندوة بالكلام بالرد، رافضة ما جاء في مضمون كلامه، متسائلة بلهجة مصرية عن طبيعة عمل المتحدث ووظيفته. سبقت ذلك مداخلة لشاهين، أكدت فيها إعجابها الشديد بأداء الفنانة نشوى مصطفى، وبفكرة العمل عموماً، قبل أن تتساءل مداعبة ما إذا كان عليها التعريف بنفسها في البداية. واحتاج الأمر تدخلاً للتوضيح من الفنانة داليا البحيري، التي أشارت إلى أن المقصود من سؤال شاهين هو ما إذا كان الكلام المشار إليه نقدياً متخصصاً، أم هو مجرد رأي انطباعي، مؤكدة احترام شاهين لكل الآراء. داليا البحيري: يستحق الفرجة وجد عدد كبير من نجوم الدراما المصرية كان لافتاً في الندوة التطبيقية لـ«سيلفي مع الموت»، وشارك بالفعل عدد كبير منهم في السجال النقدي، منهم روجينا وأشرف زكي، وآخرون، في حين حرص الفنان هاني رمزي على متابعة العرض، لكنه انصرف قبل بدء الندوة التطبيقية. وقالت الفنانة داليا البحيري إن «العمل يستحق الفرجة، وتمكن من اجتذاب مشاهديه، منذ بداية العرض حتى اللحظة الأخيرة، التي توجهت فيها الشخصية الرئيسة منساقة إلى القبو». وتابعت: «لا أتحدث بشكل نقدي، لكننا يمكن أن نلمس العديد من الجماليات، سواء في الحلول الإخراجية واستغلال الفراغ، وسواه، أو في الأداء التمثيلي، ووضوح الفكرة التي تشير إلى أن النص كُتب بعناية فائقة». وقدم حسين العبدولي السهرة الطربية، في حين قدمت فرقة «الليوا» فقرات متنوعة من العروض التراثية المحلية، واستضافت سهرة العروض الدولية، إحدى الفرق الشعبية القادمة من الفلبين. وشكلت افتتاحية عروض «المونودراما»، بـ«دبا»، مناسبة لاتجاه معظم ضيوف المهرجان نحو المدينة، بعد أن حرص الجميع على حضور العرض الافتتاحي على المسرح الكبير بكورنيش الفجيرة، ليشكل الطريق الواصل بين المدينتين مناسبة أخرى للضيوف، لاستكشاف ملامح من جماليات مدينة «الجبل والبحر». وقبل انطلاقة العروض بوقت مبكر، بدا أن الرهان على مقعد خالٍ للعرض المصري الافتتاحي، الذي تقوم ببطولته الفنانة نشوى مصطفى، وهي أيضاً كاتبة نصه، في تجربة أولى لها على صعيد الكتابة، من إخراج محمد علام، هو رهان غير مضمون، وبالفعل غصت القاعة بجمهور متنوع، تهيأ بشكل كبير من خلال العنوان لعمل ربما يأخذه إلى مساحات فلسفية عميقة، ورؤى سوداوية، رغم أنه من إنتاج المسرح الكوميدي المصري، ما يجعله يتوسم في الوقت نفسه، بثمة مفاجأة في العرض، خصوصاً أن بطلة العمل، هي ممثلة كوميدية من الطراز الأول. تلك الثنائية التي يكتسبها «سيلفي مع الموت»، حتى بشكل مسبق، قبل العرض، ظلت بالفعل حاكمة له على مدار نحو 50 دقيقة، هي مداه الزمني المكثف، اتسعت لتشكل مساحة حياة كاملة للبطلة، بل ربما حيوات أخرى أيضاً، قبل أن تُسلم نفسها، طواعية، رغم توسلها، من أجل البقاء، إلى الموت، بالنزول إلى القبو. وبديكور بسيط من حيث تكوين مفرداته، انفتح «سيلفي مع الموت»، على شخصية لا تدري لماذا جاءت إلى هذا المكان، الذي يحمل مكتباً صغيراً، وثلاث درجات، ومقعداً، ونموذج هيكل عظمي بشري، في حين جاءت الخلفية بستائر سوداء وبيضاء، تتبدل حسب المشاهد، وإيحاءاتها النفسية، لتظل صورة الرأس ذي الوجهين المنطبعة على شاشة في خلفية المشهد، أبرز عناصر الديكور، وأكثرها دلالة، لاسيما مع وجود بعض المؤشرات الرقمية الزمنية، التي تحيل إلى أننا بصدد نبش في ذاكرة ما. العمل الموندودرامي يمكن أن يكون جماهيرياً، وليس للنخبة، ويمكن ألا تفصله ضرورات الغوص في أعماق الشخصية الوحيدة، عن التلاحم مع حضوره، كما يمكن أيضاً أن يكون كوميدياً حتى البكاء، هذه بعض من النتائج التي يشير إليها العرض، الذي فجر العديد من الأسئلة الملحّة، سواء بشكل أزلي على الإنسان عموماً، في ما يتعلق بحقيقة الموت، ونقيضه الحياة، أو ما يتعلق بخصوصية مجتمعات عربية تعيش في كثير من مناطقها أوضاعاً فكرية وسياسية مضطربة ومشوّشة. «شكراً ايها الموت»، «كل عام وأنت بخير سيدي الموت.. أما نحن.. نحن لسنا بخير»، مقولة مفتاحية لقراءة العرض، تنتقل بعدها إلى مزيد من التكثيف لتشير إلى بعض شواهد غياب هذا الخير، للمشار إليهم في صيغة «نحن»، المحيلة بالضرورة إلى المجتمع العربي في عمومه، ومنها دعاوى أن «الفن حرام»، «المرأة في مجملها عورة لدى البعض»، «الإرهاب»، إساءة مفهوم الحب، وغيرها. صيغ مناجاة الموت المهيبة، لم تُغيّب حضور الكوميديا، من خلال الاسترجاع الذي أجاد المخرج توظيفه، لنجد مقاطع من أغانٍ شهيرة، بعضها يواكب، والآخر ينكأ سخرية التناقض، وحوارات جاءت لتخدم رؤية عمل مسرحي اختار أن يطرح أسئلة صعبة حول حقيقة الموت، ومن ثم الحياة، التي تمضي باتجاه وحيد هو «الموت»، وتكرّر قصصاً متشابهة مع بشر مختلفين، يسيرون نحو مصير محتوم، ويفاجؤون به، رغم أن «الموت» قصة متكرّرة، وحقيقة حتمية لدى كل البشر.
مشاركة :