جددت قوات النظام السوري قصفها على منطقة الغوطة الشرقية المحاصرة قرب دمشق اليوم الثلاثاء، رغم سريان هدنة قصيرة من خمس ساعات أعلنتها روسيا وتخللها انتهاكات عدة. ويأتي تطبيق الهدنة الروسية بعدما تبنى مجلس الأمن الدولي ليل السبت قراراً ينص على وقف شامل لإطلاق النار في سوريا، «من دون تأخير»، إلا أنه لم يحل من دون استمرار قوات النظام في استهداف المنطقة المحاصرة وإن بوتيرة أقل. ومنذ 18 فبراير/ شباط، قتل 582 مدنيا نحو ربعهم من الأطفال في الغوطة الشرقية، بحسب آخر حصيلة للمرصد السوري لحقوق الإنسان. وقال المرصد، إن 14 من القتلى بينهم خمسة أطفال تم انتشالهم من تحت الأنقاض الثلاثاء بعدما قتلوا في اليومين الماضيين. من جهتها، أفادت وكالة الأنباء السورية الرسمية «سانا»، أن مدنيا قتل في دمشق الثلاثاء، وأصيب خمسة آخرون في قصف لـ «التنظيمات الإرهابية». في المقابل، اتهمت موسكو الثلاثاء الفصائل المعارضة باستهداف مواقع تحت سيطرة قوات النظام خلال الهدنة. وقال المسؤول عن المركز الروسي للمصالحة الجنرال يوري إيفتوشنكو في بيان، إن «مقاتلي المجموعات المسلحة»، بادروا إلى «قصف كثيف بالمدفعية»، وخصوصاً قذائف الهاون مستهدفين مواقع عدة بينها الممر الإنساني الذي يهدف إلى إيصال المساعدات وإجلاء المصابين. وكان الإعلام السوري الرسمي اتهم صباحاً الفصائل المعارضة بـ«منع خروج» المدنيين عبر استهداف المعبر بخمس قذائف. ونقل التلفزيون الرسمي بثاً مباشراً من نقاط القوات الحكومية عند معبر الوافدين، حيث توقفت حافلات وسيارات إسعاف في المكان الذي خيم عليه الهدوء. ودخلت الهدنة حيز التنفيذ عند التاسعة (07,00 ت غ)، بتوقيت دمشق واستمرت حتى الثانية بعد الظهر (12,00 ت غ). ويُفترض أن تطبق يومياً في التوقيت ذاته على أن يُفتح خلالها «ممر إنساني» عند معبر الوافدين، الواقع شمال شرق مدينة دوما لخروج المدنيين، وفق الإعلان الروسي. وبحسب المرصد، لم يسجل عبور أي من المدنيين خلال ساعات الهدنة. وقالت المتحدثة باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر في جنيف يولاندا جاكميه لوكالة «فرانس برس»، رداً على سؤال عن خروج مدنيين، «على حد علمنا، لا»، موضحة أنه «لم تحصل أي من قوافلنا على الضوء الأخضر حتى الآن». وأوضحت، أنه «بحسب القانون الإنساني الدولي، يجب التخطيط جيداً للممرات الإنسانية وتنفيذها بموافقة جميع الأطراف، وليس طرفاً واحداً فقط».استفزازات ورداً على سؤال عن احتمال زيادة ساعات الهدنة، أوضح المتحدث باسم الكرملين ديمتري بسكوف، أن «ذلك رهن بطريقة تصرف المجموعات الإرهابية، ما إذا كانوا سيواصلون إطلاق النار، ما إذا كانوا سيواصلون استفزازاتهم». في البلدات المحاصرة، لم يبد عدد من السكان حماسة إزاء الهدنة، رغم خروجهم مستغلين الهدوء النسبي لشراء حاجياتهم أو تفقد ممتلكاتهم والاطمئنان على أقاربهم. وقال سامر البويضاني (25 عاماً)، أحد سكان مدينة دوما، «الهدنة الروسية مهزلة، روسيا تقتلنا يومياً وتقصفنا يومياً». وأضاف، «لا آمن على نفسي أو أهلي الخروج لناحية النظام.. في حال وافقت وخرجت سيقوم مباشرة بتجنيدي لقتال السوريين». وفي مدينة حمورية حيث تحولت مبان بأكملها إلى جبال من الركام وأخرى فقدت واجهاتها، شاهد مراسل «فرانس برس»، رجلاً يزيل ركام جدار منزله الذي انهار جراء القصف، لافتا إلى حركة خجولة للمدنيين سيرا أو على دراجات نارية. وبحسب مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، فإن أكثر من 700 شخص بحاجة إلى إخلاء طبي من الغوطة الشرقية، التي تعرضت «76 في المئة» من منازلها لأضرار جراء القصف. واستبقت الفصائل المعارضة في الغوطة الشرقية، وبينها جيش الإسلام وفيلق الرحمن، إعلان الهدنة الروسي برفضها أي «تهجير للمدنيين أو ترحيلهم». وفي بيان مشترك الثلاثاء، أبدت هذه الفصائل استعدادها لإخلاء مقاتلي هيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً)، مع أفراد عائلاتهم من الغوطة الشرقية، بعد 15 يوماً من دخول وقف إطلاق النار الذي أعلنه مجلس الأمن الدولي حيز التنفيذ الفعلي.«سيناريو حلب» يطلب قرار مجلس الأمن الدولي من «كل الأطراف بوقف الأعمال الحربية من دون تأخير لمدة 30 يوماً متتالية على الأقل في سوريا من أجل هدنة إنسانية دائمة»، لإفساح المجال أمام «إيصال المساعدات الإنسانية بشكل منتظم وإجلاء طبي للمرضى والمصابين بجروح بالغة». ويستثني القرار تنظيم «داعش»، والقاعدة، وجبهة النصرة، في إشارة إلى هيئة تحرير الشام وكل المجموعات والأشخاص المرتبطين بها. وتفتح هذه الاستثناءات الطريق أمام تفسيرات متناقضة، لا سيما أن دمشق تعتبر فصائل المعارضة «إرهابية»، ما من شانه أن يهدد الاحترام الكامل لوقف إطلاق النار. وسبق لروسيا أن أعلنت خلال معارك مدينة حلب (شمال) في العام 2016، هدناً إنسانية مماثلة بهدف إتاحة المجال أمام سكان الأحياء الشرقية للخروج، لكن من غادروا كانوا قلة إذ عبر كثيرون عن شكوكهم بشأن الممرات التي حددت كطرق آمنة. إلا أن معركة حلب انتهت مع ذلك بإجلاء آلاف المقاتلين المعارضين والمدنيين في ديسمبر/ كانون الأول العام 2016. وقال محمد العبد الله (30 عاماً)، أحد سكان حمورية، «نحن أمام خيارين: الموت أو التهجير، الحملة التي مرت علينا كانت حملة إبادة»، مضيفاً، «نتمنى هدنة دائمة على مستوى الغوطة كلها وأن يفتحوا لنا المعابر الإنسانية أو يهجرونا من دون قتل». وأوضح، «رأينا التجربة التي مرت في حلب، السيناريو ذاته يعيد نفسه».
مشاركة :