أمي ؛ انطفأ نور البيت بسفرك ، كنت أعيش غربة وطن بغيابك ماما ، خيم على البيت صمت رهيب، جر معه سيل من الأحداث التي مرت في ذاكرتي كشريط ممتد ، و تذكرت رحيل بابا رحمه الله ، واغرورقت عيناي بالدموع التي غادرت عيني لتصب على خدي وتبلل نحري بلا استئذان .كنت أظن أنني بعقلانيتي ومنطقي سأتخطى المأساة التي عشتها الأسبوع الماضي بدون ماما ، وكنت أظن أن غياب الأم عن البيت أمر عادي بالنسبة لي ، ولكنني تجرعت كأس الغياب وعشت الحرمان منها مدة أسبوع كامل ، فكان ذلك الأسبوع طويلا طويلا ، وكان سفرها أصعب غربة مرت بي في حياتي كلها ؛ أن أنام بدون تقبيلها ، وأستيقظ من نومي فلا أجد حضنها ، شعرت بأني حرمت الحياة بأكملها ! نعم ماما هي الحياة .سفرك يا ماما مأساة تجرعت كأسها سبعة أيام من السبت حتى الجمعة ، لم أكن أشعر أن غيابك سيدمرني بقوة يوما تلو الآخر ، فقد كنت عقلانية ، لا التفت للمأساة كأي توحدي لا يهمه شيء ، ولكن غيابك أضاع عقلانيتي وفلسفتي التي أنطلق بها في حياتي ، تدمرَ قلبي ببكائه الذي لا صوت له ، ولكنني أحس بآلامه ؛ فدموع قلبي أشد بكاء عندي من دموع العين ؛ لأن دموع العين محسوسة تشعر بها حين تتساقط على خدك فترتاح ، أما بكاء القلب فألم حاد يمزقه كالسكين ، فقدت الابتسامة وفقدت السعادة ، كان كل تفكيري فيها ، ومتى ستعود إلى البيت ؟ والحمد لله تحملت واستطعت أن أكمل دراستي مع ظروفي الصعبة ، و قهرت الظروف بفضل الله أولا ، ثم بفضل إرادتي .ماما ؛ أنا جزء منك ـ وأعلم ذلك ـ لكن قلبي ذهب معك ورحل كله وليس نصفه ، تشتت تفكيري وعقلي حتى إنني لم أتحمل أن أتواصل مع أحد سوى صديقتي د.سعاد الإنسانية العظيمة لتسمع أنين قلبي ، فوقفت معي . وأشكرها بحجم الكون .ماما ؛ حزني كان يتمتع بحضوره الطاغي في قلبي طيلة غيابك ،كنت أشعر بغربة حقيقية بدونك ، فوطني ذهب وغاب عني سبعة أيام ، وجيوش الحزن حاصرت قصر قلبي ، ودكت فيه حصون السعادة التي كنت زعيمة لها ، وأصبحت أرسف في قيود الحزن ،تائهة في بحر الألم . دموعك يا ماما علي قتلتني حال خروجك من البيت! وحزنك يا ماما وخوفك علي أطفأ الحياة عندي فجأة ! واحتلني الخوف والحزن والألم ، وكلها مدمرة للحياة الطبيعية ، وتعد عدوتها اللدودة .لأول مرة في حياتي أفارقك مدة طويلة ؛ سبعة أيام يراها غيري قليلة ، ولكنني أراها سنوات من الحزن التي أجدبت قلبي وأذبلت أزهاره ،حيث لا ماء فأسقيه ،ولا ثمار لأحصدها .ورغم ذلك أحسست بشعور ينزل في قلبي ، ليقول لي : لا تحزني؛ فالحزن سيرحل ، ولن يستمر ، أحسست أن جسر الأمل امتد نحوي إلى السماء ، فمشيت عليه ووجدته بنور السماء مضيئا .حينما تغيب الأم تتكاثر الأحزان وتنمو ، وسأكون كاذبة إن قلت : لم أتألم لغيابها ، ولكن أملي في الله الذي يملأ قلبي كان أقوى .ابحثوا عن الأمل تجدوه ، وعليكم أن تؤمنوا به أولا مهما حاصرتكم الأحزان ، فالأمل هو إكسير الحياة حينما تداهمنا الأحزان . وإذا كان الحزن يقتلك ، فالأمل هو الذي يحييك حياة جميلة مرة أخرى .لقد رممت أفراحي التي سقطت بمعاول الحزن ، وبنيت في قلبي جدارا من الأمل .هناك أمل موجود دائما ، فابحثوا عنه داخلكم .
مشاركة :