تصوروا الأرقام التي رصدها ديوان المراقبة العامة أن 3.5 مليارات ريال تم صرفها دون وجه حق أو سند نظامي وملاحظات قانونية شملت 70% من الصناديق التي تم جردها و 93% من العقود، بل إن100% من الحسابات الختامية للمؤسسات العامة التي عليها ملحوظات! تلك الأرقام تعكس مقاييس ثقتنا بقطاعنا العام تكون كارثية تكشف ملمحاً مما استشرى من فساد في جسد القطاع الحكومي كان يمكن أن يكون مجرد تخرصات لولا أن الديوان رصد وقوع المخالفات الخطيرة بالجملة.. ماذا تبقى إذن والديوان يكشف ذلك الطفح الخبيث الذي لم يكن ليصل إلى الحجم المعلن لولا تورط مسؤولين نافذين بيدهم صلاحيات إدارية ومالية واسعة في تلك الجهات. ورغم أن التقرير لم يشر إلى عدد المتورطين ومناصبهم، لكن المعلومات التي تم كشفها كفيلة بصنع محاكمة العصر في قضايا الفساد، ونشر الرعب في قلوب الفاسدين القابعين في الظل ممن يصعب الوصول إليهم! لقد بات اقتراح ديوان المراقبة العامة تشكيل لجنة عليا محايدة تنظر في مخالفات الأجهزة الحكومية على ألا تكون رئاسة تلك اللجنة من الجهة المخالفة كما هو معمول به حاليا، حيث يستغرق البحث شهوراً بل عدة سنوات دون الوصول إلى نتيجة والسبب امتناع ممثلي الأجهزة التنفيذية عن تأييد ملاحظات الديوان وتوصياته بشأن أداء أجهزتهم ما يجعل الأمر محل أخذ ورد ودون حسم أو مساءلة المسؤولين عن تلك المخالفات.... بل كيف تكون الجهة المدانة هي من ترأس لجنة تحقيق المخالفات!!! إن هذا التقرير يستدعي جلوس الجهات الرقابية على طاولة مستديرة لتشخيص المعوقات، وتحديد أس الخلل في أدائهم الرقابي والمحاسبي والقانوني والإعلامي، والرفع بما يرون لصناع القرار، فالفساد ظهر، وأصبحنا نشاهد دخانه ونتعايش مع حريقه بلا اعتراض.. وكأنه هو الأمر الطبيعي والنزاهة هي الأمر الشاذ المنبوذ!
مشاركة :