فيك الخصام وأنت الخصم والحكم

  • 2/19/2023
  • 21:47
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

في عام 2019، نشرت اليانور غوردن - محاضرة بجامعة موناش الأسترالية وناشطة في مجال الأمن والسلام الاجتماعي - مطبوعا عن التحيز الجنساني وأثره في تحقيق العدالة بعنوان «العدالة والنوع الاجتماعي» ضمن سلسلة أدوات النوع الاجتماعي والأمن. وبالرغم من تحفظي على بعض ما جاء في الكتاب، إلا أن الكاتبة أشارت إلى معضلة واقعية متمثلة في كيفية تحقيق العدالة في ظل وجود تحيزات جنسانية - ظاهرة أو ضمنية - في النظام الاجتماعي، والذي قد ينعكس بدوره على بعض المعنيين بقضايا الأحوال الشخصية ابتداء بالمتقاضين من المُدعين والمُدعى عليهم، وانتهاء بالقضاة والمحامين.هذا ونعرف جميعا أنه مع قرارات تمكين المرأة في السعودية وتحسين وضعها الاجتماعي بشكل قانوني ورسمي، ظهرت دعوات علنية في وسائل التواصل الاجتماعي تحت معرفات وهمية داخلية وخارجية، وسرية بين جدران المجالس والاجتماعات غير الرسمية تحاول تثبيط أو إحباط نجاح هذه الرؤية الجديدة بشتى الطرق وتحت ستار عدد من المبررات الدينية والاجتماعية المغلوطة والمتوارثة.فالمتصدرون لهذه الدعوات يعلمون جيدا بما لا يدع مجالا للشك أن عمل المرأة واستقلالها ماديا وتمكينها لتكون شقيقة للرجل ونظيرة له سيغير موازين القوى الاجتماعية بين الجنسين، وبالتالي ستختلف حتما الصورة الذهنية عن الذكورة كما عرفها كيميل عام 1997 بارتباطها بالقوة والسيطرة والهيمنة وفرض الكلمة على الإناث في المجتمع.فالصورة الذهنية الجديدة لمفهوم الذكورة –باعتقاد المعارضين للتمكين– ستنزل الرجل من مكانة الذكر المهيمن القوي إلى مكانة طالما خصصت سابقا للرجال الأقل درجة في السلم الاجتماعي والذين كانوا محط التندر والازدراء في المجالس بكونهم رجالا أقل درجة.فهذا الانحدار في النظام الاجتماعي للذكورة هو ما يجعل المعارضين يستغلون أي فضاء حتى يحافظوا على مكانة الذكر المهيمن القوي، ولا ينحدرون إلى مستوى الذكر المساند أو المعتد أو الهامشي بحسب تصنيفات روبرت كونيل.هذا التحيز الذكوري المجتمعي - الذي زادت حدته مع قرارات التمكين كآلية دفاع نفسية عن الامتيازات الاجتماعية المتوارثة - ألقى بظلاله على المنظومة العدلية متمثلة فيما شهدناه مؤخرا من تزايد حدة الخطاب -من قبل بعض المتحيزين اجتماعيا الملتحقين بسلك المحاماة- ضد عمل المرأة وضرورة احتباسها في بيتها لتستحق النفقة، وما شهدناه مؤخرا كذلك من بعض الأصوات التي توعي الشباب قانونيا بحقوقهم وضرورة تمسكهم بها ومن ذلك عدم الموافقة والرضوخ لشروط المرأة في عقود الزواج كشروط العمل والتعليم والقيادة، بالإضافة إلى ممارسة بعضهم للإرهاب الفكري ضد المرأة التي تطالب بحقوقها ووصمها بوصمة العار «نسوية».ومن الممارسات التي يمارسها بعض المتحيزون ممن ينتمون لسلك المحاماة تضليل قوانين الأحوال الشخصية الجديدة وما تم تحديثه منها لإيهام عامة النساء بأن القوانين لا زالت لا تصب في مصلحتهن، ومن ذلك الشح بالمعلومات على ما طرأ من تحديثات في نظام حضانة الأطفال بعد الطلاق والنفقة والسكن، وحضانة الأطفال بعد زواج الأم من زوج آخر، وما أستُحدث من قوانين في قضايا النشوز وبلاغات التغيب.بل وبلغ التحيز درجات مضحكة وذلك بإعادة بعضهم لتعريف الخلع حتى لا تكون المرأة هي الفاعل والرجل هو المفعول به في محاولات مستميتة للانتصار للرجل والتشنيع على المرأة التي تقدمت بالخلع. كما تضج فضاءات تويتر مؤخرا ببعض حملة الدبلوم العالي في المحاماة والذين يستغلون تسهيلات وزارة العدل في الحصول على رخصة المحاماة في التشنيع بوظائف النساء أو ملاحقة الحقوقيات والنسويات وتهديدهن برفع القضايا فقط لأنهن يعبرن عن رأيهن أو يعملن على توعية النساء.ما ينبغي أن يعرفه الكثير أن هذا التشغيب الذي تمارسه الأقلية - ممن يفترض بهم العدل والإنصاف - ضد حقوق المرأة المدنية والقانونية قد يفقد المرأة ثقتها في المنظومة العدلية كاملة وقد يترك لديها انطباعات غير جيدة مما يؤدي إلى خوفها من المطالبة بحقوقها وممارسة حياتها. والأدهى أن المكانة الاجتماعية التي تعطى لكل من ينتسب في السلك العدلي تجعلهم قدوة ومرجعا وثيقا للرجال والنساء الأقل تعليما ووعيا مما يزيد من وطأة معاناة المرأة.لذلك من المقترح لحل مشكلة التعتيم والتضليل بالمعلومات القانونية أن تشتمل مقررات الثقافة الإسلامية في الجامعات على فصول من قوانين الأحوال الشخصية الجديدة للمرأة والتوعية بها، بالإضافة إلى التحديث الدوري لكافة الأنظمة العدلية الخاصة بالمرأة والأحوال الشخصية على موقع وزارة العدل بناء على ما يستجد من تعديلات.

مشاركة :