مجالس المحرق تحكي قصة الثقافة الإسلامية

  • 3/1/2018
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

المحرق حاضرة المدن العربية والإسلامية حين تم اختيارها (عاصمة الثقافة الإسلامية) من قبل المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (الإيسيسكو)، إنما جاء ذلك الاختيار وفق معايير توافقت عليها المنظمة لتدشين مشروعها الريادي الممتد خلال الفترة 2015 - 2025م، لتكون المحرق المدينة الخامسة في العواصم الإسلامية. خلال العام 2018م تشهدت المحرق حراكاً شعبياً كبيراً من قبل أهلها لإظهار الوجه الحضاري لمدينتهم القديمة كمعلمٍ ثقافي بارز بالمنطقة، فقد تم تنظيم مجموعة من الفعاليات رغم أنها ما لازالت في الربع الأول من العام، فتم تنظيم محاضرة بعنوان (النادي الأدبي 1920م وإشراقات السنوات الأولى) للدكتور إبراهيم مطر، وكذلك محاضرة (مساجد المحرق.. تاريخ وآثار) لكاتب هذه السطور، وهناك فعاليات أخرى على قائمة العام لتعزيز الثقافة في وجدان أبنائها ومحبيها من الدول الخليجية والعربية. ولعل من أبرز تلك المراكز التي اعتنت بالثقافة هي المجالس الأهلية التي تزخر بها المحرق، والتي قد تجاوزت المائة والخمسين مجلساً أهلياً، لذا فإن الحديث عن المجالس حديث شيق وممتع لما لها من دور بارز ومؤثر، وقد وصفها جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة بـ (أم المدن والمدرسة الوطنية)، في إشارة إلى مكانتها ودورها الريادي في توعيه وتوجيه المجتمع لما فيه خيره وصلاحه!. ويمكن تصنيف المجالس الأهلية بالمحرق إلى فئتين، الأولى ما قبل الميثاق والأخرى ما بعده، فقد كانت المجالس في السابق لأصحابها، فتنتسب لصاحب البيت والمجلس لما يملكه من خير وإمكانات لاستقبال الناس. وكانت المجالس في السابق تفتح من الصباح بعد صلاة الفجر إلى صلاة المغرب، فتكون مقصداً لأهالي المنطقة أو الفريج للالتقاء والسؤال عن بعض وتقديم المساعدات، فهي بمثابة مجالس أخوية تجمع أبناء المنطقة الواحدة خاصة وأنهم يؤدون الصلوات في المساجد ومن ثم يتجمعون بالمجلس سواءً داخله أثناء الشتاء أو خارجه بعد تغير الجو وفصل الصيف، ويوضع في الغالب التمر والرطب مع القهوة والشاي، بالإضافة إلى أن الناس يلتقون فيها ويقدمون التهاني في الأعياد. وقد كانت المجالس لنواخذة البحر والتجار حيث يدور حديثهم عن رحلة صيد اللؤلؤ والبحر بشكل كبير لارتباطه بالناحية الاقتصادية، وكانت هناك المجالس العائلية الصغيرة التي يرتبط بها أبناء الفريج، وتقدم لهم هذه المجالس المساعدات الخيرية والصدقات وتقيم لهم مآدب الأفطار في شهر رمضان المبارك، وأغلب تلك المجالس تأثرت وأغلقت مع نهاية الأربعنيات من القرن الماضي، بعد أن ضعفت تجارة اللؤلؤ وتحول الناس للعمل في قطاع النفط بشركة بابكو. لقد ارتفع عدد المجالس الأهلية بالمحرق بعد التصويت على ميثاق العمل الوطني في فبراير عام 2001م، وأصبحت هناك مجالس يومية وأخرى أسبوعية وغيرها موسمية مثل مجالس شهر رمضان المبارك، بل أصبح روادها من مختلف مناطق البحرين حسب ارتباطهم بصاحب المجلس ومكانته، وأصبح الحديث فيها أكثر صراحة وتعبيراً، وفي ذات الوقت الناس يلتزمون بالأخلاق الحميدة وما يعرف بـ(سنع المجالس)!. إن المجالس الأهلية بالمحرق اليوم تقوم بدور كبير قد تجاوز دور بعض المراكز والجمعيات، فهي تقوم بدور توعوي وتثقيفي ووطني، وتسهم وبشكل كبير في إثراء الحركة الأدبية والفكرية والثقافية، والأجمل في ذلك أنها استطاعت سحب البساط من تحت أقدام السياسيين الذين يبيعون الأوهام ويضحكون على البسطاء من الناس! بل إن المجالس الأهلية بالمحرق استطاعت خلال سنواتها البسيطة من معالجة الكثير من الإشكالات والأزمات، بل وعززت اللحمة الوطنية والتجانس الأهلي، وحافظت على الموروث الشعبي من عادات وتقاليد وملابس وكلام محرقي أصيل!. مجالس المحرق الأهلية لم تقتصر على فئة عمرية محددة، فهي تستقبل كل فئات المجتمع العمرية، فترى فيها الشاب والرجل الكبير، بل وترى فيها الاختلافات الدينية والفكرية والاجتماعية، جميعهم تحت سقف واحد، ويأكلون من إناء واحد، في ظاهرة يصعب أن ترى في دول المنطقة، لذا أصبحت المجالس ملاذ الكثيرين لما لها من مكانة كبيرة، ولم يقتصر دور المجالس على تنظيم المحاضرات والندوات بل توسع لنقل التجربة إلى خارج البحرين، فهناك زيارات متبادلة مع الأشقاء في دول مجلس التعاون مثل السعودية وعمان والإمارات والكويت، وهناك من وصل إلى جمهورية مصر العربية لما يربطنا بها من وشائج عروبية كبيرة!. وهناك مجالس أخرى أقامها أصحابها لإقامة حفلات الزواج ومجالس العزاء، وهي مخصصة لهذين الأمرين، وتشرف على البعض منها إدارة الأوقاف السنية، وتوجد كذلك مجالس خاصة للنساء حيث يتواجدن فيه كمجتمع نسوي، ويصعب رصد هذه المجالس لما لها من خصوصية كبيرة، وإن كان البعض منها يكون في بيت إحداهن لحبها الخير وتجميع النساء فيها، وتقوم بعض المجالس بتنظيم بعض الرحلات الخاصة سواءً في البحرين أو خارجها، وهذه المجالس انتعشت بعد فترة ميثاق العمل الوطني!. مع معرفة مكانة المجالس المحرقية ودورها وتأثيرها إلا أن هناك من يحاول دفعها إلى ساحة الصراعات السياسية من خلال افتعال بعض المشاكل، فالكثير من أتباع الجمعيات السياسية بدل أن تكون له ساحة خاصة لمناقشة القضايا السياسية يلجأ إلى تلك المجالس الأهلية لنشر سمومه وأدوائه، لذا المسؤولية تقع على أصحاب المجالس للمحافظة على هوية المجالس بالمحرق، وليس هناك أجمل من تبني ملف الثقافة التي نالت شرفه العاصمة القديمة المحرق، فهي في هذا العام عاصمة الثقافة الإسلامية.

مشاركة :