بسنا حريات... يا حسين!

  • 3/2/2018
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

في حوار عابر مع بعض الأصدقاء قبل أيام، تطرقنا إلى قضية الحريات في الكويت وتراجعها المخيف مع ما نشهده من أحكام مغلظة بحق أصحاب الرأي، وإن اختلفنا مع بعضهم، وهي الأحكام التي مهدت لها الطريق تشريعات صدرت من مؤسستنا البرلمانية للأسف وعبر العديد من المجالس، وبدأنا في قطف ثمار هذه التشريعات أحكاماً بالحبس بحق مغردين تجاوز بعضها الخمسين سنة! في ذلك الحوار، قال لي أحدهم ما مفاده، بأنني يجب أن أجد لي قضية أخرى لتبنيها إن كان لي توجهات في خوض الانتخابات العامة المقبلة، وعندما سألته عن السبب اكتفى بابتسامة وتعبير بسيط معناه أن القضية قد استهلكت إعلامياً، وعليه فلابد للناشط السياسي من تبني قضايا مختلفة، فإن فتر حماس الجمهور لأحدها، قد يستطيع الناشط لفت الأنظار إليه بقضية أخرى، بحيث لا يبدو وكأنه ذو قضية واحدة ينحصر نشاطه في أجوائها وتداعياتها! هذا الطرح ليس مقصوراً على صديقنا إياه، فقد سمعته من أكثر من طرف، وهو طرح يكشف عن مشاكل شتى في وعينا وممارستنا السياسية، أقلها هو قصر النفس السياسي لدى الكثيرين منا، وأننا شعب «هبّة»، نتفاعل مع بعض القضايا المهمة لفترة معينة ثم يخمد حماسنا، رغم عدم حل تلك القضية التي تفاعلنا معها، لنبحث لنا عن قضية جديدة «نلت فيها ونعجن»، وكالعادة، نتركها بعد فترة قصيرة للتركيز، ولأيام محدودة، على قضية جديدة، وهكذا دواليك! المشكلة الأكبر في هذا الطرح لعلها تكمن في عدم إدراك الكثيرين لخطورة قضية الحريات، والتي بسبب تدهورها يقبع الكثير من الشباب خلف القضبان بسبب تغريدة أو مقال عبروا فيه عنه رأي قد يكون خاطئاً، لكن التشريعات المعيبة الموجودة حاليا سمحت بهكذا عقوبات، وأن الأمر يتجاوز طموحاً سياسياً لهذا الشخص أو ذاك، فبمجرد استمرار الوضع التشريعي على ما هو عليه فسيف الحبس سيظل مصلتاً على رقابنا جميعا إن ارتأت حكومتنا الرشيدة أن نقدنا جاوز الحد المسموح به من قبلها تجاه القضايا الداخلية أو الخارجية! أجمل ما في الموضوع هو أن الأصدقاء في الديوان انخرطوا بعد ذلك في نقاش طويل عزفت عنه حول الحريات وحدودها، فبعضهم كان ذا حماسة منقطعة النظير في شرح الحدود المفترضة للحريات تارة بحجة الدفاع عن ثقافة المجتمع، وأخرى بحجة الاستقرار والمواءمة السياسية، وهو نقاش أقرب للهزل منه للجد، وذلك لعدم امتلاك المشاركين في النقاش لآليات فرض أي واقع سياسي أو تشريعي متعلق بالحريات من جهة، والأهم من جهة أخرى هو الكوميديا المتعلقة بنقاش من لا يمتلك الحرية أساسا لما يجب عليه أن تكون عليه حدودها ونطاقها، فكان نقاشاً أشبه بنقاش مجموعة من أصحاب الأوزان الثقيلة عما يجب أن تكون عليه الرياضة المثالية من شكل وتطبيق! ما شهدته من حوار في ذلك الديوان، مضافا له ما قرأته في الصحف في اليوم التالي عن مشروع قانون حكومي حول العمل الخيري وعدم التشكيك فيه والعقوبات المتعلقة بذلك، وما نشر في الصحف بعد ذلك من مشروع قانون للحكومة للتشدد في عقوبات قانون الجزاء المتعلقة بأمن الدولة، كل ذلك جعلني أدرك المفارقة بين الواقع العملي الذي تتقلص فيه الحريات جهارا نهارا، وما يناقشه بعض الناس من قضايا وأولويات متعلقة بالحريات وكأننا وصلنا لغاية مبتغانا ولم يبق لنا إلا تقليص تلك الحريات.. الزائدة! لا أدري لماذا تذكرت عندها مشهدا من المسلسل الخالد «درب الزلق»... وسعد الفرج يقول لأخيه عبدالحسين: «خمسة ألف... ستة ألف... بسنا فلوس يا حسين» مع تغيير طفيف... فلا أدري لماذا سمعتها في خيالي وكأن سعد يقول لأخيه... بسنا... بسنا «حريات» يا حسين!

مشاركة :