أهداني الأستاذ العزيز، الدكتور علي الحمود - مشكوراً - كتاباً جميلاً بعنوان (فلسفة الحسد في شعر أبي تمام)، وقد أعجبني هذا الكتاب الماتع بأسلوبه المشوق، وأبهرني فيه ذلك الكم الهائل من الأبيات الشعرية التي كتبها أبو تمام في معاني الحسد والحاسدين، وكنت أشعر بحرقة الشاعر ومعاناته تجاه هذه الصفة الذميمة، ولا أدري لماذا دعاني هذا الأمر إلى أن أستحضر بعض أبيات للمتنبي في صراعه مع الحسد والحساد؟ ولئن كثر تناول الحسد والحساد في شعر الشاعرين، فلقد كان لكل واحد منهما تناول مختلف يعالج فيه الحسد من وجهة نظر شخصية، ربما كان للجانب النفسي، والاجتماعي أثره الكبير فيها، وعادةً ما يكون ذلك مرتبطاً بمكانة الشاعر، أو قوة شعره؛ لذا كان لكل منهما فلسفته الخاصة في التعامل مع هذه الخلة الدنيئة. ولن أكون - هنا - من أنصار الوساطة بين المتنبي وخصومه، بل سأنتصر لأبي تمام، وأميل معه، لأن تناوله كان مغايراً، وإن صنع كلاهما من الحسد قيمة جمالية وأخلاقية في خطابه للممدوح، غير أن أبا تمامٍ لم يكن يلقي اللوم على ممدوحه، كما كان يصنع أبو الطيب الذي كان متذمراً متعالياً في قوله: أَزِلْ حسد الحسّاد عني بكبتهم فأنتَ الذي صيّرتهم لي حسّدا ففي هذا البيت كل الدلائل تشير إلى غروره، وعدم تأدبه مع مخاطبه، وتؤكد هذا التأويل دلالة فعل الأمر (أزل) وتخصيص الضمير (أنت) والفعل المضعّف (صيّرتهم) في حين لم يصدر أبو تمام أمراً، ولم يخصص ضميراً، ولم يبالغ في صيغة الفعل، بل رسم صورةً رائعة للحاسدين حينما جعل (النوال) العظيم سبباً في الحسد، ولم يجعل المخاطب سبباً في ذلك كما فعل أبو الطيب، كما جعل عطاء الممدوح سبباً في رد الحاسدين إلى فلول، وإضافةً إلى ذلك فإن هذا العطاء عنده قد أصلح بينه وبين أيامه، وهذا معنى لطيف، وجديد، يقول: نوالُك ردّ حسّادي فلولاً وأصلحَ بين أيامي وبيني
مشاركة :