نورهان البطريق تكتب: زلة لا تغتفر‎

  • 3/2/2018
  • 00:00
  • 12
  • 0
  • 0
news-picture

"عدت إلي القاهرة اليوم، افتقدتك طوال فترة سفري،هاتفي بقية البنات للاجتماع عندي مساء اليوم، فقد اشتقت لهن كثيرًا".تفوهت "هبة" لصديقتها "مى" بهذه الجملة أثناء المكالمة الهاتفية التي أجرتها فور عودتها من شهر العسل. وعلي الطرف الآخر استقبلتها "مي"بفرحة عارمة وسيل من المباركات، وقد استجابة لدعوة صديقتها فور سماع صوتها على الهاتف.حل المساء، وتعالت أصوات الطرقات علي الباب المصحوبة بالزغاريد والأغاني الشعبية ،هرولت إليهن "هبة " في سعادة تستقبلهم في بيتها الجديد ، وعندما لاحت لهن سحنة العروسة، يتهافتن عليها بالقبلات والأحضان التي تنم عن الاشتياق الممزوج بالفرحة .وبمجرد أن وطئت بأقدامهن أرض المنزل، صاحت الهتافات وتعالت الضحكات، وشرعن بالعبث في كافة أركان المنزل، والتنقل بين الغرف والاثاث ذهابًا وإيابًا .بعد مرور أكثر من ساعة، قرر البنات تناول قسط من الراحة بعد أن مر الوقت دون أن يشعرن به، فقد احتلت الشقة من جانب صديقات العروسة فجأة ودون سابق إنذار، فكان عليهن عمل هدنة لدقائق معدودة لاسترداد أنفاسهم التي قطعت من الجري واللهو مع بعضهم البعض.فرغت البنات من تناول العشاء، بعد أن سمعت "هبة " قدر وفير من الانتقادات اللاذعة، وكثير من التهكم والسخرية الذي قابلته بالتجاهل وعدم المبالاة، إلي أن تطرق إلي مسامعها من إحداهن "لا أرغب في عمل غسيل معدة اليوم "فاضطرت أن تخرج من صمتها بعبارات شرسة تتناغم مع تعبيرات وجهها الغاضبة. وشدت الصحون من أيديهن وتوجهت بها إلى المطبخ كنوع من العقاب لهن، ولكنه لم يجدي نفعا، وتوالت السخرية عليها حتى تزداد غضبا أكثر فأكثر، فكلما كان الضجر يتفاقم كلما أعلن الفريق الآخر انتصاره عليها بضحكات استفزازية تنضح بالخبث الممزوج بالحب لصديقتهن.أحضرن بعض أطباق الحلوي إلي جانب فناجين الشاي، وانتقلن إلي غرفة الضيوف للتحدث مع بعضهن البعض. أخدت كل منهن مقعدها، وساد الصمت قليلًا بينهن، ظلت كل واحدة تتلفت إلي الأخري في ريبة. لاحظت "هبة ارتباكهن.قالت مستفهمة: ما خطبكن؟ردت "مي" لا شىء ( كأنها أوشكت أن تنطق ولكنها تراجعت عند آخر لحظة حفاظًا علي مشاعر "هبة".قاطعتها "هالة"حاسمة أمرها ملتفتة إلى "مى" اتفقن على أن يخبرها بكل شيء.قالت "هبة"بنفاذ صبر:" حسنا، تكلمى أنتِ، طالما قد حسمتى قرارك، فلتنطلقي بالكلام".صمتت لفترة ليست بقصيرة ثم استجمعت قوتها قائلة :"سارة"فزعت "هبة "من مكانها واضعة الفنجان بأيدي مرتعشة علي الطاولةحتى انسكب منه جزءًا دون أن تلتفت إليه.أحمر وجهها غضبًا وطار عقلها حال سماعها الاسم :"كام مرة طلبت عدم نطق اسمها أمامي".تگون حلف دفاع عنها للوقوف في وجه "هبة" الغاضب وكأنها لم تعرفهن من قبل ، وانقلبت الجلسة فجأة إلي محكمة بها خصمان ، كلاهما يدلي أسبابه للدفاع عن نفسه. ...تري من سينتصر وتحكم له المحكمة بالبراءة؟ !قالت "مى" أتت إليكي عشرات المرات واعتذرت عما بدر منها ،ولكنك لم تسامحيها".قالت "هالة "كانت تود أن تحضر فرحك ولكنك لم تعطي لها فرصة للحضور، وواجهتي طلبها بتعنت ورفض شديد.أطرقت "هبة " واضعة رأسها بين كفيها ،وكأنها تتذكر ما حدث ثم قالت دون أن تنظر إليهن: هل هناك مزيد من الاتهامات بعد لكي تلحقوها بي؟همت "مي "بالنطق ولكن صوت "هبة " الصارخ الباكي جعلها تكتم أنفاسها ليست كلماتها فحسبقالت بصوت متهدج متلعثمة :"هل نسيتن ما فعلته معي منذ أكثر من سنة"؟!وقفت "هالة" متجهة صوب "هبة " لتجلس بجانبها وأخذت تربت علي كتفها لتهون عليها.قالت في خفوت: "زلة يا هبة"التفتت إليها "هبة " بعينين دامعتين:" عندم حضورها عزاء والد أقرب صديقة لها تعتبرونه زلة، إذن ما هو تعريف التخلي عندك؟!، وما مفهوم الصداقة من وجهة نظرك؟!.أغرورقت عيناها بالدموع وسالت العبرات على وجنتيها وهي تسند ظهرها على المقعد ناظرة إلي سقف الغرفةاستطردت :"كنت أبحث عنها في وجوه الحاضرين، كنت التفت حولي لعلي أجدها في إحدي الأماكن ،كنت انتظرها تقضي معي الليالي الأولي لكي تبدد معي وحشة الليل والفراق، كنت بحاجة إلي الدعم والسند ولكني لم أتجرع منها إلا الخذلان وخيبة الأمل.مسحت دموعها بكفيها وجاهدت في أن تقلل من شهقات بكائها حتى تهدأ دقات قلبها المتسارعة .التفتت إلي صديقاتها وكأنها شعرت بوجودهن فجأة :" لو تعرضت واحدة منكن لنفس الموقف -معاذ الله -هل سيكون رد فعلكن التسامح والغفران؟!".ران الصمت بينهن، ولم تستطع واحدة أن ترفع عينيها في "هبة " لتجيبها علي السؤال الذي نزل كالصاعقة التى صمت أذنيهن.قاطعت صمتهن بلهجة حادة :لم اجبركن علي ترك صداقتها من أجلي، لذلك عليكن أيضا احترام قراري بشأنها،فهي لم تعد في قائمة صديقاتي.رفعت إصبعها مشيرة إليهن بنبرة محذرة :"ولن تكون في يوم من الأيام".ادركن جميعًا الرسالة التى دستها "هبة "إليهن، وقد تعهدهن إليها بعدم التطرق إلي الموضوع ثانية".ساد الصمت مرة أخري ولم يقطعه هذه المرة إلا صوت تكتكة الساعة معلنة الثامنة مساء .وقفت "هبة" متجهة صوب التلفزيون وكأنها تحاول أن تعيد المجلس إلي عهده الأول.قالت بصوت يشوبه آثار البكاء :هل مازال يعرض المسلسل التركي حتى الآن أم انتهت حلقاته.أجابتها "هالة "وكأنها تتمسك بالخيط الذي تنجه "هبة " لإعادة الحوار "علي ما أتذكر أنها ستكون الحلقة الخمسة والخمسون من عمر المسلسل.رسمت "هبة "ابتسامة مصطنعة :"ممتاز، سنشاهدها سويا ، وأثناء الفواصل الإعلانية ستسرد على لي كل ما فاتني من أحداث".وقبيل انتهاء المسلسل أضاء تليفون "مي" فجأة معلنا عن مكالمة من والدتها التى توعدت لها وحثتها علي التحرك سريعا من بيت "هبة".جرت "مى" وبقية الأصدقاء نحو الباب بخطوات سريعة, وكل منهن تتخبط في الأخري أثناء انتعال أحذيتهن، وأخذت كل واحدة تبعد الأخري من أمام المرآة حتى تعدل هندامها علي عجل. وعندما صارت الأمور على مايرام شيعتهن "هبة " إلي الباب، ملوحة إليهن علي أمل لقاء آخر قريبا.ثمة مواقف لايشفع لها التسامح ، ولا يغفر لها النسيان، إنما خلقت ليعقبها الفراق.

مشاركة :