تزحف «عاصفة» انتخابات غرفة تجارة وصناعة البحرين نحو فضاء منظمات المجتمع البحريني، وتبدأ رياحها في إلقاء المزيد من التساؤلات الأكثر شمولية واتساعا من مجرد النتائج التي ستسفر عنها، لا لشيء سوى كون «الغرفة» من أقدم منظمات المجتمع البحريني تاريخا، وأكثرها حضورا، عندما يتعلق الأمر بالمؤسسة من جانب، وطبيعة مكونات المجتمع المدني الذي تخاطبه، وتدافع عن مصالحه، والحيز الذي يشغله في تطور المجتمع البحريني وآليات تقدمه، من جانب آخر. فمن الطبيعي أن تثير، فيما تثيره انتخابات الغرفة، مسألة واقع منظمات المجتمع البحريني الحالي، ومستوى أدائها عندما يقاس ذلك الأداء بالمهمات التي تقع على عاتقها، ويقارن بذلك الأداء الذي تمارسه نظيراتها في دول أخرى، نجحت في تحقيق التقدم المجتمعي الذي نصبو إليه. وقبل الولوج في موضوع مهمات تعزيز دور مثل هذه المنظمات ينبغي الاتفاق على ان مفهوم منظمات المجتمع وتعريفها، لا يخرج من قريب أو بعيد عن ذلك الإطار الذي حددت معالمه شهيرة دعدوع قائلة «هو عبارة عن مجموعة من المؤسسات والمنظمات التطوعية غير الربحية وغير الإجبارية، والتي تلعب دورا مهما بين الدولة من جهة وبين المواطن والمجتمع من ناحية أخرى لتحقيق فائدة للمجتمع وللمواطن، فهي تساعد على تحقيق السلام والاستقرار والتكافل الاجتماعي. كما تلعب دورا مهما في نشر الثقافة والوعي بين المواطنين من خلال إعطاء الدورات وتوزيع النشرات المتعلقة بمواضيع مختلفة مثل العنف والارهاب والتمييز، كما لديها القدرة على ترسيخ المبادئ الأساسية للحياة عند المواطن مثل التسامح وتقبل الآخر، والشفافية والاحترام والعيش بسلام». على أن ما تتميز به منظمات المجتمع البحريني عن الكثير من سواها ونظيراتها من منظمات المجتمع العربي، وعلى وجه الخصوص الخليجية منها، يمكن حصره في النقاط التالية: • سبقت منظمات المجتمع المدني البحريني مؤسسات الدولة البحرينية الحديثة وإداراتها، فقد عرفت الحركة الأدبية البحرينية مجالسها في مطلع العشرينات من القرن الماضي، وشكلت نمطا من أنماط المجتمع المدني الذي لم تقتصر عضويته على الأدباء، ولا موضوعاته على القضايا الفكرية، بل تجاوزت تلك المجلس مثل تلك القضايا كي تعالج هموم الناس، وتحاول ان تمارس دور الوسيط بينهم وبين السلطة القائمة من أجل وضع حد لها. ولعل هذا هو السبب الذي أثار حفيظة القوى الاستعمارية، وجعلها تنظر إلى تلك المجالس على أنها شكل من أشكال التحدي الحضاري لمشروعاتها التسلطية على المنطقة. ويفسر أيضا إغلاق البعض منها في تلك المرحلة. في هذا السياق جاء تأسيس «الغرفة» في الثلاثينات من ذلك القرن كظاهرة طبيعية فرضتها التطورات التي عرفها المجتمع البحريني حينذاك. • خرجت منظمات المجتمع المدني البحرينية، في حالات كثيرة عن المفاهيم التقليدية لها، وتجاوزت في مراحل معينة من تاريخ البحرين الحديث والمعاصر دوائر المهمات المناطة بها، فوجدناها في تلك المراحل، مثل الثلاثينات، والستينات، من القرن الماضي، تتحول إلى ما يشبه الأحزاب السياسية. لا شك أن مثل هذا «الانحراف»، قد زودها بزخات من الدينامية غير المعهودة في حركة منظمات المجتمع المدني. لكن ذلك، في الوقت ذاته، أدى إلى تجريدها من الكثير من القدرات على أداء المهمات المناطة لها. ولعل تجربة «الاتحاد الوطني لطلبة البحرين»، غنية وتدعو إلى القراءة الصحيحة، عند الحديث عما يمكن وصفه «بالإمعان في تسييس منظمات المجتمع المدني البحريني». • مارس العنصر النسائي البحريني دورا مميزا في مسيرة العمل المدني، فلم تقف المرأة البحرينية، وهي في مراحل مبكرة من تاريخ تطورها المجتمعي، عندما يتعلق الأمر بالتعليم، مكتوفة الأيدي، او على مقاعد المتفرجين، ورأيناها تبادر في تأسيس منظماتها المدنية التي أخذت على عاتقها مسؤولية لا يستهان بها، عند الحديث عن مسيرة وتاريخ العمل المدني في البحرين. فقد عرفت البحرين، ومنذ الخمسينات من القرن الماضي، تشكيل منظمات مثل، كما جاء على موقع الاتحاد النسائي البحريني، «... جمعية نهضة فتاة البحرين عام 1955م (التي تأسست) على يد السيدة عائشة يتيم لتسجل حدثا تاريخيا تشهده المنطقة لأول مرة في تاريخها حيث أنها أول جمعية نسائية في البحرين والخليج العربي. وقد عملت الجمعية جاهدة مع الجمعيات النسائية الأخرى من أجل إرساء دعائم العمل النسائي وذلك من خلال تبني قضايا المرأة وحقوقها والدفاع عنها، وتجسيد ذلك من خلال مجموعة الأهداف المتبناة في دساتيرها، والارتقاء بمستوى المرأة الثقافي والاجتماعي». • عرفت منظمات المجتمع البحريني ضمورا ملحوظا في السنوات الخمسين الأخيرة بفضل مجموعة من العوامل البعض منها موضوعي، حيث حلت إدارات الدولة، في أحيان كثيرة، مكان منظمات المجتمع المدني، ونصبت نفسها بديلا عنها من جانب، وصعبت من آليات تشكيلها، واعاقت حركتها من جانب آخر. وعلى نحو مواز، ولأسباب ذاتية، لم تتمكن مكونات العمل السياسي البحريني التي كانت خارج أطر الدولة، من التمييز بين المهمات المناطة بها القوى السياسية، وتلك المحصورة في منظمات المجتمع المدني. اوجد ذلك نوعا من الخلل البنيوي الذي ساهم بدوره في تعزيز ذلك الضمور، وشل من قدرات منظمات المجتمع المدني البحريني. ما هو أسوأ من ذلك، وهو ما شاهدناه في مطلع القرن الواحد والعشرين، كان فشل الجمعيات السياسية في الاستفادة من الطاقة التي فتحها ميثاق العمل الوطني من اجل تعزيز دور منظمات المجتمع المدني. فما حدث كان على العكس من ذلك تماما، حيث سارع البعض من تلك الجمعيات في ممارسة شكل من أشكال الاستحواذ الإقطاعي على قيادات تلك الجمعيات، ولم يتردد في إقصاء حليفه الطبيعي الآخر من مجالس إداراتها، وهذا بدوره همش دور منظمات المجتمع البحريني، وضاعف من سلبيات الضمور الذي أشرنا إليه سابقًا.
مشاركة :