لقد برع المسلمون الأوائل، وضربوا أروع الأمثلة على التكيف مع مستجدات الحياة ومتطلبات العصر، الذي كانوا يعيشون فيه، وكانت البيئة التي يعيشون فيها تفرض عليهم في كثير من الأحيان العمل في أعمال ومهن مختلفة، غير التي كانت في موطنهم الأصلي، ونظراً الى تغير أحوال وظروف الموطن قد يضطرون أحياناُ إلى تغيير أسلوب الحياة وطريقة المعيشة، وقد ضرب لنا النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم وصحابته الكرام رضوان الله عنهم أجمعين أمثلة رائعة في ذلك، فقد كان النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في بدايات حياته العملية يعمل راعياً للغنم، ثم اتجه صلى الله عليه وسلم إلى العمل بالتجارة، فحينما بلغ صلى الله عليه وسلم مبلغ الرجال شرع يتاجر في مال خديجة بنت خويلد رضي الله عنها. وكذلك الصحابة الكرام رضي الله عنهم، كان معظمهم في مكة يعملون بالتجارة، فقد كانت المهنة السائدة والمناسبة في تلك البيئة، فلما هاجروا إلى المدينة وجدوا مجتمعاً آخر يعتمد في معظمه على الزراعة، لا سيما زراعة النخل وإنتاج التمر، فتوجه عدد كبير منهم إلى العمل بالزرع والغرس تكيفاً مع الوضع الجديد. وعلى المسلم الفطن الذكي أن يكون ملماً بمجريات الأمور ومحيطاً بمتطلبات العصر، وأن يكون مرناً في تغيير مهنته ووظيفته حسب ما تحتاجه سوق العمل وما تفرضه مستجدات الحياة. وتوضح هذه القصة الواقعية من كتاب «محسنون من بلدي» ــ الجزء السادس، مستشار التحرير د. عبدالمحسن عبدالله الجارالله الخرافي) ـ نموذجاً لصاحبها التاجر عبدالمحسن محمد الناصر الحمد رحمه الله، وتبين نشاطه في تجارة النقل البري، وكيف استطاع بحنكة وذكاء أن ينتقل من تجارة النقل البري إلى تجارة الأراضي والعقارات، تماشياً مع متطلبات ذلك العصر، وأن يتكيف مع متغيرات السوق. وتبدأ قصة التاجر عبدالمحسن الحمد عندما قدم من نجد إلى الكويت صبياً، وراح يأخذ بالأسباب ويسعى وراء الرزق، ورويداً رويداً اشتد ساعده، واكتسب خبرة لا بأس بها، فانخرط في مجال التجارة، واختار تجارة النقل البري، ونجح فيها حتى تمكن بفضل الله، ثم بفضل دأبه وسعيه واجتهاده، من تكوين اسم تجاري معروف في مجال نقل الركاب والبضائع بين الكويت والرياض ونجد. وفي يوم من الأيام ــ في نهايات الخمسينات وبدايات الستينات تقريباً ــ جمع التاجر عبدالمحسن الحمد أبناءه وقال لهم: «أريد أن أعرض عليكم أمراً مهماً يا أبنائي، ها أنتم ترون أن تجارة النقل التي نعمل بها بدأت تضمحل، فقد أحجم كثير من المسافرين عن السفر البري، حتى بضائعهم وأمتعتهم أصبحوا ينقلونها عن طريق الطائرات، فلا بد لنا من بديل عن تجارة النقل البري، فقال له أبناؤه: وماذا ترى يا أبانا؟ قال: أرى أن نعمل بتجارة الأراضي والعقار، وأن نوجه ما نملكه من مال لشراء الأراضي والعقارات، فهي تجارة مزدهرة والمكسب فيها مضمون بإذن الله، وأدعو الله أن يوفقنا بها، وأن يكتب لنا الرزق والخير والنماء، فقال له أبناؤه: نعم الرأي يا أبانا العزيز». وهكذا اتجه التاجر عبدالمحسن الحمد إلى تجارة الأراضي والعقار، ووجه إليها مدخراته، فكانت فاتحة خير عليه وعلى أسرته، ورزقه الله خيراً كثيراً، ومنَّ عليه بالبركة والنماء. وهكذا ضرب أهل الكويت الكرام أروع الأمثلة في القدرة على التكيف مع مستجدات الحياة، وأثبتوا تفوقهم في البحث عن حلول جديدة لتخطي الأزمات، والتغلب على المستجدات التي قد تعوق نجاحهم واستمرارهم، ومن بين هؤلاء المتميزين التاجر عبدالمحسن محمد الناصر رحمه الله تعالى، وأسكنه فسيح جناته. د. عبدالمحسن الجارالله الخرافي ajalkharafy@gmail.com www.ajkharafi.com
مشاركة :