البصرة (العراق) - لم يترك نقص المياه، الناجم عن قلة الأمطار، للصيادين في الأراضي الرطبة بجنوب العراق خيارا آخر سوى ترك القوارب التي كانت في الماضي مصدرا أساسيا للرزق للكثيرين منهم. وبنظرة سريعة يمكن مشاهدة قوارب الصيد رابضة بلا حراك في المياه الضحلة الأمر الذي يشي بحجم التهديد لصناعة القوارب القائمة هناك منذ قرون. ويغطي الغبار القوارب على الأرض التي انحسرت مياهها بعد أن كانت في الماضي غنية بالأسماك وغابات الخزيران التي تمثل مأوى للطيور المهاجرة. لكنها أصبحت الآن جذوع عيدان تُرى من بعيد مثل ذكرى شاحبة في الأفق. وازدهرت صناعة بناء القوارب الخشبية في الستينيات وحتى أواخر الثمانينيات من القرن الماضي، لكنها تشهد تراجعا حادا بسبب السد العملاق الذي تبنيه تركيا على نهر الفرات. ونتيجة لذلك، تخلى كثير من الصيادين عن عملهم. وعلى خطى والده وجده، يعمل علي حسين الخزاعي من منطقة هور الجبايش في محافظة ذي قار في بناء القوارب منذ أن كان في سن المراهقة المبكرة. لكنه أصبح يقول الآن إن عددا كبيرا من الأسر في مناطق الأهوار تخلت بالفعل عن المهنة بحثا عن عمل آخر لكسب قوتهم وتغطية نفقات معيشتهم. وقال الخزاعي "قبل كنّا باستمرار ما ننقطع دوم نشتغل دوم معناتها ما أقدر أقول لك إش كد نصنع مثلا أقدر أقول لك مثلا بالشهر يجوز نسوي بالعشرة، خمسة عشر بلم، هسا يجوز بالشهرين نسوي لنا واحد لأن الناس هملتها.. ماء ماكو أهم شي الماء.. الماي كالوا على أساس هاي مال التراث العالمي و فرحنا، صار عندنا عيد ميلاد، لا مو عيد ميلاد، شلون واحد يكول اليوم معرس ، علمود شنو؟ علمود كلنا الماء راح يستقر، يبقى ثابت، شو هسة صارت قاع". وأضاف "البلام انهملت لأن الناس يئست من الصيد أكثرها راحت حشد شعبي وراحت بغير مكانات تدور شغل في بغداد أو البصرة.. حمالة من جان يشتغل عند أهله كام بشتغل عمالة.. عافوا بلامهم.. بقت ... مثل ما شفتها بالصورة شي راكسة و شي غرقانة ... السبب ماء ماكو صيد ماكو". وتتغذى أهوار بلاد ما بين النهرين من مياه دجلة والفرات. ويهيئ التقاء النهرين بيئة ملائمة لمصايد الأسماك وموطنا لأنواع نادرة من الطيور مثل طائر أبو منجل. كما تتيح ما يشبه الاستراحة لآلاف الطيور البرية في طريق هجرتها بين سيبيريا وأفريقيا. ويشكو الصيادون من أن الصيد لم يعد مربحا بسبب ارتفاع تكاليف الوقود ونقصه. لكن معظمهم يشعرون بالقلق إزاء المواجهات مع حرس السواحل الإيرانيين والكويتيين. وقال علاء أحمد مالك وهو صياد في الفاو بمحافظة البصرة "صناعة القوارب قلت بنسبة 80 إلى 90 بالمئة وشبه انعدمت ، لأن هسة أي صياد ما يفكر يصنع لنج لأن شغل تعب مو مثل قبل، المياه الإقليمية تحددت لا يكدر يتجه للمياه الإقليمية الكويتية ولا يكدر يتجه للمياه الإقليمية الإيرانية لصعوبة المشاكل بين الدولتين أو تجاوز الحدود. وبالنسبة انت شايف قدام عينك الزوارق الصغار يعني تقريبا غير.. بدل ما يأخذ زورق كبير كام يسوي زورق صغير بحيث يشتغل أما بالشط أما بالحدود القريبة على الأراضي العراقية". وترك الكثيرون هذه المهنة ليصبحوا مقاتلين في وحدات الحشد الشعبي، في حين أصبح آخرون عمال بناء، وانتقلوا مع أسرهم إلى بغداد والبصرة. وكان صدام حسين، الذي اتهم سكان الأهوار العرب في المنطقة بالخيانة خلال الحرب مع إيران من 1980 حتى 1988، قام بتجفيف الأهوار في التسعينيات من القرن الماضي لإخراج المتمردين الذين يختبئون وسط الغابات. وعاش عرب الأهوار في الأراضي الرطبة لألوف السنين لكنهم كانوا على هامش المجتمع العراقي. وتقدر دراسة عددهم بنحو 400 ألف شخص في الخمسينيات من القرن الماضي لكن كثيرين منهم فروا من قمع صدام وتحولوا إلى نازحين لأسباب اقتصادية.
مشاركة :