مسرحية «حكي رجال» تروي انكسارات الذكورة اللبنانية

  • 3/6/2018
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

خمسة رجال، لكل منهم قصته، وتجاربه، وهواجسه التي لا تشبه غيرها. بقدر ما هم مختلفون يجمعهم وجع مشترك، لعلّه الجامع بين غالبية الرجال، ألا وهو الصمت. وفي مسرحية «حكي رجال» التي ابتدأت عروضها في «مسرح المدينة» في بيروت، تحاول المخرجة اللبنانية لينا خوري، أن تستنطق شخصياتها الخمس على المسرح، مستخدمة كل ما تمتلكه من وسائل استفزاز، إقناع، سخرية، لكنّها تنتهي باستمرار إلى إجابات معلبة غير مقنعة تشبه التي سبقتها. وهكذا لا يبقى للينا التي تلعب على الخشبة شخصية المرأة الوحيدة التي هي مخرجة (كما في الواقع)، تبحث عن إجابات شافية و«عميقة» لكتابة مسرحيتها حول الرجال سوى أن تنسحب من المسرح تاركة وراءها كاميرا ترصدهم. فالرجال فيما بينهم يقولون ما لا يبوحون به أمام الجنس الآخر، وهذا هو تماماً ما سيحدث، في النصف الأخير من العمل.إذن، لا تفعل لينا خوري في مسرحيتها هذه، سوى أن تنقل تحقيقاتها ومقابلاتها التي أجرتها بالفعل مع الرجال طوال 5 سنوات والعثرات التي واجهتها، والصعوبات التي أخّرتها عن إنجاز مهمتها، محتفظة بالأسماء الحقيقية للممثلين أحياناً، وبعضاً من ملامح حياتهم التي نعرفها، لتبدو القصة التي نشاهدها أقرب إلى الواقع منها إلى المسرح، حين تدخل فيها لعبة التخيل.إعلان تنشره المخرجة بحثاً عن رجال، يأتيها بمرشحين، لا يعرفون المهمة التي أتوا من أجلها. وتبدأ الأسئلة: «مين منكن رجّال؟» يصعب الجواب، وتتضح تدريجياً المهمة المطلوبة منهم في قالب من الكوميديا السوداء، خاصة، حين يلجأ فؤاد (فؤاد يمين) إلى تطبيق «عزيز» الإلكتروني الذي يجيب على الأسئلة حول الرجال بأسوأ مما يجيب الرجال أنفسهم، ويثير أجواء من الضحك الشديد بين الحضور.ما يشبه الرافعة الحديدية إلى يمين المسرح ودرج يؤدي إلى منطقة خلفية، ومساحة رمادية ممتدة أمامنا انتشرت عليها بعض المكعبات للجلوس. وعلى خلفية الخشبة شاشة بيضاء مقطعة إلى خمسة أجزاء عمودية، إمّا نرى عليها شروحات التطبيق «عزيز» واجتهاداته المحدودة الأفق، أو بعض الأشكال الهندسية الحيوية التي تضفي جواً على المسرح في غياب أي نوع من الموسيقى المصاحبة للمشاهد، باستثناء صوت فؤاد يمين وهو يحاول أن يؤدّي أغنية لمرافقة أحد الحوارات.وبما أنّ التقشف يطال الديكور وتغيب الموسيقى، فإنّ التركيز هو على ما يقوله الرجال، في ظل إضاءة بقيت شبه ثابتة في الجزء الأول من العمل قبل أن يبدأ الرجال بالبوح والكشف عن قصصهم الدفينة.وكانت لينا خوري التي سبق لها وقدمت مسرحية «حكي نسوان» بنجاح كبير، قبل 11 سنة، واستمر عرضها لفترة طويلة، قد استعانت هذه المرة بكل من فؤاد يمين، وغابريال يمين والسيناريست السوري رامي الطويل لكتابة النص بمعيتهم، وللاستعانة بتجربتهم، لإغناء عملها. وهكذا وجد فؤاد يمين نفسه جزءاً من المسرحية تمثيلاً إلى جانب طوني معلوف، وجوزيف زيتوني، وغبريال يمين وطارق تميم الذي نشاهده على الخشبة لفترة قصيرة، وكأنّما ليقدّم نموذجاً إضافياً، هو للرجل «السوبرمان» الذي يشعر بأنّه يطير، لكنّ صفعة من مرافق لأحد السياسيين أمام ابنته مصحوبة بجملة «تحرك يا حمار»، تجعله يهوي في عينيها، ولن يتمكن من النهوض بعدها أبداً. تكرّ سبحة الحكايات، بعد أن تغادر المخرجة المكان تاركة كاميرتها تسجّل الاعترافات. كان يجب أن نضحك، ونصبر، وننتظر أكثر من ثلاثة أرباع الساعة، كي يستجمع الرجال قدرتهم على البوح. فهذا يجد أنّ فقره وعمله في وظيفتين عائقين أمام بناء علاقة حب بينه وبين عائلته، وذاك يعتقد أنّ القمع الأسري وقف حائلاً أمام حياة جنسية يشعر بأنّها ترضي رغباته، وثالث يحاول أن يشرح بأنّ الفقر ليس بالضرورة هو المشكلة، لأنّه هو نفسه مقتدر، لكنّه عاش حياته لاهثاً وراء تحقيق أحلام زوجته في حياة رغيدة، لكن نكتشف أيضاً أنّ حلمه الشخصي، هو من الفنتازية بحيث يتعذر تحقيقه. ورجل رابع يروي تلاوين الضغط التي يتعرض لها ليتعرف إلى فتاة أو حتى يخطب ودّها وما يتحمله من عذابات، حتى وصل به الأمر إلى أنّه لم يعد يجرؤ على المجاهرة بمشاعره.هزيمة رجال لينا خوري وانكساراتهم، تذكّر بكل تلك الروايات التي كتبت بعد هزيمة 67 لرجال يشعرون بالمرارة والضعف، وغيرها التي تعتبر الأنظمة الديكتاتورية الجائرة سبباً في تهشيم المكون الذكوري العربي وخنوعه.يقول الممثل طارق تميم بعد أن يروي قصة الصفعة التي غيّرت مجرى حياته: «فهمت أنو يلي ضربني كفّ، في حدا فوقه بيضربه كف، وحدا كمان فوقه بياكل كف وبيقولولوا: تحرك يا حمار».أمام موضوع بهذا الحجم من التعقيد، يحتاج بحثاً لسنوات لاستكناه مغاليقه، وهذا القدر من التشويق، اكتفت لينا خوري بحكي الرجال على المسرح، واعتبرته كافياً. فالوصول إليه مشقة والاستماع إليه ضرورة.

مشاركة :