منذ انتخابات الكنيست (البرلمان) الإسرائيلي الأول، مطلع العام 1949، طُرح السؤال حول مشاركة المواطنين العرب فيها من عدمها، أو جدوى وجودهم في برلمان يشكلون فيه أقلية غير معترف بها أقلية قومية، إنما يُنظر إليهم إسرائيلياً، على أنهم انتُخبوا فقط لمعالجة القضايا المدنية التي تهم العرب الباقين في الدولة العبرية. استفادت إسرائيل، إعلامياً على الحلبة الدولية، وما زالت، من وجود ممثلين عن المواطنين العرب في برلمانها، فتظهر للعالم «واحة للديموقراطية في غابة الشرق الأوسط»، كما يردد سدنتها الذين يعيّرون، بين الفينة والأخرى، النواب العرب بأنهم ممنوحون حرية تعبير ما كانوا ليحلموا بها في دول عربية. في الكنيست الحالي، وهو الرقم 20، بلغ التمثيل العربي رقماً قياسياً مع انتخاب 13 عضواً في القائمة «العربية المشتركة»، لكن ذلك لم يغير السؤال: «ماذا فعل النواب العرب من أجل مصالح المجتمع الفلسطيني في الداخل؟». وما هو مدى تأثيرهم في صناع القرار وقدرتهم على لجم القوانين العنصرية المتواترة في ظل وجود البرلمان والحكومة الأكثر تطرفاً في تاريخ إسرائيل؟ في الحقيقة، لا تكمن المشكلة في النواب أنفسهم فحسب بقدر ما هي في نظرة الحكومات المتعاقبة إليهم وإلى الجمهور العربي كـ «طابور خامس» ترفض التعامل معه، باستثناء مرة واحدة عند التوقيع على اتفاقيات أوسلو عام 1993 حين احتاج رئيس الحكومة إسحاق رابين إلى أصوت النواب العرب ليشكلوا جسماً مانعاً في وجه اليمين الذي رفض هذه الاتفاقيات. ويطرح عدد آخذ في الازدياد من ناشطين سياسيين وأكاديميين عرب في الداخل السؤال: هل يكتفي العرب بحرية التعبير الممنوحة لهم لانتقاد سلطات الحكم والتعبير عن آلامهم وأمالهم؟ وهل تساوي هذه الحرية في قيمتها الاستفادة التي تجنيها إسرائيلياً، دولياً من وجودهم في برلمانها؟ ويرى أصحاب هذا الرأي أن وجود العرب في الكنيست لم يحقق حتى الحد الأدنى من الطموحات: آفة العنف والقتل تحديداً تتسع في شكل خطير في المجتمع العربي حتى باتت جرائم القتل فيه (العرب يقتلون بعضهم) 60 في المئة من مجمل حوادث القتل في الدولة. كذلك لم تتحسن الأوضاع المعيشية وما زال الأطفال العرب يتصدرون قائمة الفقر. وعلى مدار 70 عاماً لم تبنِ إسرائيل حتى بلدة عربية واحدة. كذلك التغييب المتعمد للأكاديميين العرب في المؤسسات الحكومية أو حتى الأكاديمية، فنسبة المحاضرين الجامعيين العرب لا تصل إلى 3 في المئة، فيما نسبة الطلاب العرب في جامعة حيفا مثلاً 40 في المئة من مجموع الطلاب، أو النسبة المتدنية للأطباء العرب في المستشفيات الذين يتولون إدارات الأقسام المختلفة، على رغم أن ثلث الأطباء في إسرائيل من العرب. وهناك من يتهم النواب العرب بصرف جلّ وقتهم للقضايا القومية، في مقدمها الصراع الفلسطيني– الإسرائيلي، على حساب القضايا المدنية، وهو ادعاء يستسيغ النواب اليهود استغلاله بين حين وآخر لتأليب الجمهور العربي على ممثليهم، «الذين لا يعالجون قضاياهم اليومية». ويرد النواب المؤيدون المشاركة في الحياة السياسية في إسرائيل على هذه الادعاءات بالإشارة إلى أن السلطة التنفيذية ليست بيدهم لتحسين أوضاع المواطنين العرب، وبأنهم لا يتأخرون عن طرح مشاريع قوانين في الكنيست لفائدة المواطنين العرب لكن الغالبية اليمينية التلقائية تحبطها. وبين هذا وذاك يتواصل الجدل، هل البرلمان الإسرائيلي هو المنصة الملائمة لمعالجة قضايا المجتمع العربي في الداخل؟ ألا تجدر العودة إلى العمل الميداني الجماهيري الفعّال الذي قد يأتي بنتائج أفضل؟ في السطر الأخير، لا يمكن التقليل من الدور الذي يقوم به النواب العرب في الكنيست، ولا ضير في الجمع بين المواطَنَة والنشاط الوطني والحرص على تمثيلٍ للهوية الجماعية. لكن ثمة ضرورة لصوغ مشروع واضح وتخطيط استراتيجي لمستقبل الفلسطينيين في الداخل وأوضاعهم بعد عشرة أو عشرين عاماً. هذا المطلوب من النواب العرب ومن «لجنة المتابعة العليا» ومن مؤسسات العمل المدني، ومن دون تخطيط كهذا لن يتوقف الجدل حول جدوى المشاركة في السلطة التشريعية الإسرائيلية.
مشاركة :