الشرق الأوسط على موعد مع ربيع عربي غاضب.. صحيفة بريطانية ترصد إرهاصات موجة ثورية جديدة أكثر عنفاً

  • 3/6/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

"أُطلقت النيران على أصدقائي بجواري وأمامي ومن خلفي"، هكذا يتذكَّر محمد الصغير الأيام المضطربة في عام 2011 عندما حاولت قوات الأمن التونسية سحق الاحتجاجات الجماهيرية، التي أنهت حكم زين العابدين بن علي في نهاية المطاف الحكم. وقد ألهمت الأحداث في تونس الربيع العربي؛ إذ نهضت الشعوب التي طال اضطهادها لفترة طويلة ضد الأنظمة الاستبدادية الفاسدة. إلا أنَّه وبعد مرور سبع سنوات، خرج الصغير، الذي يكافح من أجل تغطية نفقاته في حدود الـ15 أو 20 ديناراً، التي يكسبها يومياً، من العمل في أحد المقاهي، إلى الشوارع مرةً أخرى جنباً إلى جنب مع آلاف آخرين. وكان السبب وراء الاحتجاجات المناهضة للحكومة، في يناير/كانون الثاني الماضي، هو خفض دعم البنزين وزيادة الضرائب على السيارات واستخدام الإنترنت والمكالمات الهاتفية. لكن بالنسبة لكثيرين، مثل الصغير، كانت الخطوات التقشفية للحكومة مجرد مثال آخر على إضرار النخبة الحاكمة بالفقراء، بحسب تقرير لصحيفة البريطانية."يحلمون بحياة العبيد" يقول الصغير الذي يبلغ من العمر 36 عاماً: "الشباب ليس لديهم أي وسيلة للعيش.. كل ما نريده هو الوصول إلى وضع العبيد الذين كانوا يضمنون على الأقل الحصول على الغذاء والملابس والمأوى. ليس أمراً طبيعياً أن يكون شابٌ في عمري غير قادر على تحمل تكاليف الزواج أو الحصول على منزل". ويعكس غضبه قضية شائعة في منطقةٍ مثقلة بأعلى معدل بطالة بين الشباب في العالم -إذ أنَّ 30% تقريباً من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاماً عاطلون عن العمل- هذا فضلاً عن امتلاكها واحداً من أسرع معدلات النمو السكاني، وتتطلَّع حكوماتها التي تعاني أزمة مالية لإصلاح نظم الدعم المكلّفة. فقد هزَّت إيران أكبر مظاهرات مناهضة للنظام في 10 سنوات تقريباً في ديسمبر/كانون الأول الماضي، متأثرةً إلى حد كبير بتدابير التقشف والاستياء من الفساد. وشهدت الجزائر والأردن أيضاً احتجاجاتٍ صغيرة هذا العام بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية وتخفيض الإنفاق العام. وتعكس نوبات الاضطراب خيبة الأمل التي يشعر بها كثيرون في مختلف أنحاء الشرق الأوسط، إذ يلومون قادتهم على تجاهل مطالبهم بأنظمةٍ أكثر إنصافاً توفر الوظائف والحريات الاجتماعية والازدهار. وكان هذا الغضب المتزايد هو العامل المحفز لثورات 2011 في المنطقة، ما أشعل الصراعات في سوريا وليبيا واليمن، ووفَّر بيئةً خصبة لتجنيد الشباب ضمن الجماعات المتطرفة مثل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). يتراجع تنظيم داعش الآن ويخفت صداه بعدما فَقَدَ معاقله في العراق وسوريا. لكنَّ الخبراء يحذرون من أنَّ المنطقة لا تزال تعاني من أزمة طاغية تشكل تهديداً أكثر خطورة لاستقرارها على المدى الطويل، ألا وهي فشل الحكومات في إصلاح الأنظمة المعطوبة التي جمعت على مدى عقود بين القمع والسخاء الحكومي للحفاظ على الاستقرار.نسخة جديدة من داعش يقول مروان المعشر، وزير الخارجية الأردني السابق ونائب رئيس مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي للصحيفة البريطانية "ما لم تخرج بخطابٍ جديد سياسياً واقتصادياً، ستظهر نسخة جديدة من داعش. إنَّ التصدعات في المجتمع هي المشكلة الأكبر، ولسوء الحظ يُولي عدد قليل جداً من القادة اهتماماً لها". وأضاف: "إذا لم يفعلوا ذلك، فقد نواجه ربيعاً عربياً آخر، وهذه المرة سيكون أكثر راديكالية وعنفاً. لا يمكن لأحد أن يتوقع متى سيحدث، ولم يتوقع أحد متى كان سيحدث الربيع العربي. لكن الوضع الراهن ليس مستداماً". ولم يبق سوى عدد قليل من البلدان العربية التي لم تتأثر بثورات 2011. بعضها، مثل المغرب، طبَّقوا درجة من الإصلاح. وعاد المعظم إلى وسائل مُجرَّبة ومختبرة لاحتواء الشعوب المستاءة، بما في ذلك تقديم الدعم وقمع المعارضة. إلا أنَّ العقد الاجتماعي التقليدي في الشرق الأوسط، وهو مدفوعات وهبات من الدولة تمولها أموال النفط مقابل حرية سياسية محدودة، يتلاشى. فبعد فترة طويلة من انخفاض أسعار النفط وعدم الاستقرار والركود الاقتصادي، أصبحت الحكومات التي تتصدى لعجز الميزانية واعتمادها الكبير على الديون الخارجية تتحكم أخيراً في نفقات الدولة. ووفقاً لصندوق النقد الدولي، أنفقت حكومات الشرق الأوسط 74 مليار دولار على إعانات الوقود في عام 2016، وهو ما يمثل ربع الدعم العالمي للطاقة. ويقلل كثير منها أيضاً الخدمات المدنية غير الناجعة التي كانت بمثابة شبكات أمان اجتماعي وتستهلك حوالي ثلث الإنفاق الحكومي.إصلاحات طال انتظارها ويقول الخبراء إنَّ الإصلاحات طال انتظارها، لكنَّها تحدث فى بيئةٍ متقلبة يحددها شعور متزايد بغياب العدل بين أبنائها الشباب المتحضرين والمستنيرين على نحوٍ أفضل، إذ يرى الكثير من العرب أنَّ حياتهم زادت سوءاً في السنوات التي تلت عام 2011. يقول مراد زعبوطي، 34 عاماً، وهو تونسي يعيش مع والدته ويعتمد على معاش والده الراحل: "كان الوضع أفضل قبل الثورة لأنَّ الأموال كانت لها قيمة، أما الآن فكل شيءٍ غال ولم أعثر على عمل منذ عامين. لم يتغير أي شيء رغم آمالي في الثورة". وترى الصحيفة أن مراد يعيش في واحدةٍ من أكثر الدول إشراقاً في المنطقة. ففي حين أصبحت دول أخرى أكثر قمعاً، تُعَد تونس هي الدولة العربية الوحيدة التي يمكن أن تطالب بالتحول الديمقراطي في أعقاب انتفاضات عام 2011. غير أنَّ المكاسب السياسية للبلاد لم يقابلها نجاح اقتصادي، إذ لا تزال تعاني من بطالة الشباب بنسبة 25 في المائة وتفاوت شاسع بين المناطق الساحلية الأفضل وضعاً والمناطق الداخلية الفقيرة. في عام 2016، وافق صندوق النقد الدولي على منح تونس حزمة قروض بقيمة 2.8 مليار دولار لتخفيف الضغط على خزانة الدولة المثقلة. لكنَّ ذلك يعني تبنّي بعض الإصلاحات المؤلمة، بما في ذلك إجراءات التقشف التي تسبَّبت في احتجاجات يناير/كانون الثاني.قمع ليس له مثيل في مصر وسلكت مصر مساراً مماثلاً، إذ أمَّنت قرضاً بقيمة 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي خفضَّت بموجبه القاهرة دعم الوقود وقيمة الجنيه. وقد رحَّب المستثمرون والشركات بهذه التحركات بعد معاناتهم جرَّاء نقص الدولار، لكنَّها أصابت المصريين بمزيدٍ من الألم بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية، مع ارتفاع التضخم إلى ما يزيد عن 30 في المائة. وعندما سعت الحكومة لتعديل نظام دعم الخبز، اضطرت إلى التراجع بعد اندلاع الاحتجاجات. انحسرت فرص الاضطرابات الواسعة النطاق في الدولة العربية الأكثر اكتظاظاً بالسكان، إذ أعلن النظام عن التخفيضات التي طرأت على الدعم في الوقت نفسه الذي عزَّز فيه قبضته الاستبدادية. وتقول الصحيفة منذ استيلاء الرئيس عبد الفتاح السيسي على السلطة في انقلاب عام 2013، اعتُقِل الآلاف من الناس وحُجِب 450 موقعاً على شبكة الإنترنت في حملة قمعٍ تصفها منظمة هيومن رايتس ووتش بأنَّها "قمع لم يسبق له مثيل لجميع أشكال المعارضة". ويثق الرئيس السيسي في حصوله على ولاية ثانية في الانتخابات الرئاسية هذا الشهر، مارس/آذار.ماذا يجري في السعودية؟ وفي المملكة العربية السعودية، يسلك ولي العهد الأمير محمد بن سلمان نهجاً متعدد الجوانب لإصلاح الاقتصاد المعتمد بقوة على النفط ونظام الرعاية الاجتماعية المُدلِّل. وأغرى ولي العهد البالغ من العمر 32 عاماً الشباب السعوديين بوعودٍ لخلق مجتمع أكثر تسامحاً، بما في ذلك رفع الحظر على قيادة المرأة للسيارات. وسعى أيضاً إلى تضييق العجز المالي عن طريق خفض نفقات القطاع العام، وزيادة أسعار الوقود بنسبة تصل إلى 127 في المائة، وفرض ضريبة القيمة المضافة. لكن حتى مع سحق المعارضة في المملكة واعتقال الأمراء والصحفيين، يسير الأمير محمد بشكلٍ حذر. فقد أعادت الرياض بعد ستة أشهر من الاستياء علاوات الموظفين في القطاعين المدني والعسكري. واستجابت للشكاوى في غضون أيام من طرح ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5 في المائة ورفع أسعار الوقود هذا العام، بمنح موظفي الدولة علاوة شهرية إضافية قدرها ألف ريال سعودي (276 دولار) لمدة سنة. ومع ذلك، إذا كان الأمير محمد سيحقق أهدافه، فسيتعين على الجيل القادم أن يخُفِّض سقف توقعاته بشأن الرواتب والامتيازات لأنَّهم سيتنافسون على وظائف القطاع الخاص. تُوظِّف الدولة ثلثي السعوديين، وتُشكَّل فاتورة أجور القطاع العام أكثر من 10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، مع زيادة رواتب الحكومة في المتوسط ​​بنسبة 150 في المائة عن القطاع الخاص، وفقاً لصندوق النقد الدولي. يقول خالد الدخيل، الأستاذ السابق لعلم الاجتماع السياسي بجامعة الملك سعود بالرياض: "نحن على مشارف دولة مختلفة. إذا استمر الضغط الاقتصادي في التدهور، فإنَّ الاحتمالات مفتوحة على مصراعيها. هل ستستوعب الحكومة ردة فعل الشعب؟ هذا ممكن. وإذا لم يكن كذلك، فقد تشهد البلاد مرحلة سياسية صعبة للغاية".

مشاركة :