الزيارة المهمة التي قام بها، قبل ايام، سمو ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لجمهورية مصر العربية الشقيقة والحفاوة الكبيرة التي استقبله بها فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسي تعبر خير تعبير عن عمق العلاقات الاستراتيجية بين البلدين الشقيقين اللذين يشكلان بقوتهما وأدوارهما التاريخية جناحي الامة العربية، فكلما كان التنسيق والتعاون بينهما في اوج قوته كانت الأمة العربية قادرة على مواجهة اشرس التحديات والتحليق عاليا بين الأمم باقتدار وفاعلية وتأثير. ومن هنا نقول ان هذه الزيارة المهمة تأتي في ظروف إقليمية ودولية مصيرية، ولذلك فإن القيادتين المخلصتين في المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية تسعيان بقوة لتعميق العلاقات المتأصلة بين البلدين الشقيقين واستكمال ما تم وضعه من مشاريع واتفاقيات استراتيجية بين البلدين إثر الزيارة التاريخية التي قام بها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز للقاهرة العام الماضي من أجل خير وسعادة وأمان المواطن العربي في مصر والسعودية وخير الأمة العربية والإسلامية جمعاء، لأن كلا منهما يمثل المجال الحيوي للعمق الاستراتيجي الأمني للآخر. وقد شهدت هذه الزيارة عددا من التطورات المهمة لتعميق العلاقات بين البلدين منها قرار الرئيس السيسي بتخصيص أراض مساحتها ألف كيلو متر مربع في جنوب سيناء لتكون جزءا مكملا للمشروع الاستثماري الضخم الذي اطلق مبادرته سمو الأمير محمد بن سلمان تحت اسم «مشروع نيوم» ويوفر فرصا استثمارية عصرية هائلة على سواحل البحر الأحمر في كل من السعودية ومصر والأردن ليكون نموذجا للتعاون الاقتصادي والاستثماري والسياحي العربي، ونقلة جوهرية نوعية في جهود ومشروعات التنمية العربية المشتركة، يضاف إلى ذلك إنشاء صندوق استثماري مشترك بقيمة 16 مليار دولار لتمويل المشاريع الاستثمارية التنموية في مصر بدعم سعودي. كذلك شهدت الزيارة بعض اللفتات الحضارية ذات الدلالات التاريخية منها زيارة سمو ولي العهد السعودي للجامع الأزهر ولقاء فضيلة الإمام الاكبر د. أحمد الطيب شيخ الأزهر وافتتاح تطويرات الأزهر التي تمت بدعم من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، ما يعكس الاحترام الكبير لرسالة الأزهر الشريف في نشر تعاليم الإسلام الوسطي السمح ومحاربته لقوى التطرف والإرهاب. كذلك جاء لقاء سمو ولي العهد السعودي مع بابا الأقباط في مصر البابا تواضروس وزيارة الكاتدرائية لأول مرة لتعكس الروح الحضارية التي تتبعها القيادة السعودية في الحرص على الحوار الحضاري بين الاديان وتعزيز قيم السلام والتسامح بين ابناء الامة العربية والتي تجسدها الهوية الوطنية المصرية بما تشهده من علاقات اخاء ومودة وتضامن بين المسلمين والمسيحيين في مصر. ومن هنا، تأتي نتائج هذه الزيارة التاريخية لتمثل البلسم الشافي لكل السقم العربي الذي انتشر في أكثر من دولة شقيقة مسها اللهيب الذي أحال استقرارها لما سمي «الفوضى الخلاقة» التي أشعلت نار الحروب الأهلية في أكثر من عاصمة عربية، وأدت إلى اقتتال الأشقاء الطامعين بالسلطة والنفوذ، وجاءت نتائج هذه الزيارة الرسمية الأولى لسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان آل سعود لترسم خريطة الطريق لحماية وطننا العربي الموحد من كل ما يهدده إقليميًا من القوى المحرضة والطامعة ولتؤكد القيادة المصرية أن أمن التراب المصري هو نفسه أمن الخليج العربي والتأكيد على أسس الدفاع المشترك بين البلدين العربيين الشقيقين ووضع عربة القطار العربي على سكة الأخوة والتضامن والثقة المتبادلة بجهود الحكماء المخلصين من زعماء أمتنا الذين أحيوا بقراراتهم المباركة الأمل في قوة التضامن العربي. وهنا فإني لا أميل نحو التنظير الإعلامي لعمق وتجذر العلاقات الأخوية الصادقة بين المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية؛ فمنذ تأسيس بلادنا الغالية تجلَّت الأخوَّة العربية المخلصة مع الشقيقة مصر وشعبها الشقيق؛ فكانت علاقة الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل آل سعود -طيب الله ثراه وأسكنه جناته- مع الملك المصري الراحل فاروق في أعلى درجة من الصداقة والتعاون بين البلدين الشقيقين، واتجها بتعاونهما المثمر إلى تأسيس جامعة الدول العربية عام 1945، واختارا بتشاورهما ترشيحهما لأمينها العام الأول الدبلوماسي المصري عبدالرحمن عزام، واستمرت مسيرة التعاون المشترك مع العهد الجمهوري، التي جاءت مع عهد ثورة الضباط الأحرار وزيارة اللواء محمد نجيب، أول رئيس مصري لجدة، التي شكَّلت بداية لمرحلة جديدة من التعاون والثقة بين الشقيقتين مصر العربية والمملكة العربية السعودية. وطوال العهد الجديد في مصر منذ 1952 حتى يومنا هذا اتسمت العلاقات بين القاهرة والرياض بالتعاون المشترك المبني على الثقة والأخوَّة والمصالح القومية المشتركة؛ فكان القرار السياسي المصري والسعودي متطابقًا دائمًا تجاه قضايا أمتنا العربية المصيرية سلمًا أو حربًا، والنصر العربي التاريخي في حرب أكتوبر دليل حي لاختلاط الدم المصري بدم أشقائه العرب من أجل تحرير أرضنا العربية السليبة. والعلاقات مع المملكة العربية السعودية يصفها أبناء مصر الأشقاء بأنها تتعدى العلاقات الدبلوماسية بين بلدين جارين لأن السعودية هي دومًا بيت المصريين المفتوح لاستقبالهم والترحيب بهم في كل المناسبات الاجتماعية. كما ان القاهرة تشكل دائمًا أيضًا العمق الاستراتيجي للأمن القومي السعودي والتقاء الزعيمين الرئيس السيسي بأخيه ولي العهد سمو الأمير محمد بن سلمان في هذه الظروف الإقليمية المضطربة إنما يعطي خير مؤشر لتبادل الفكر والتشاور الرفيع المستوى بين القائدين الكبيرين من أجل تهيئة البيت العربي نحو الأمن والتعاون والسلام وخاصة ونحن على اعتاب انعقاد القمة العربية القادمة بالرياض في نهاية شهر مارس الجاري، ومن هنا اهمية الخروج بمشروع سياسي يتجه لتعزيز قوة أمتنا العربية. وتبقى دائمًا الرياض والقاهرة عينَيْ الأمة العربية، داعيا أن يزيدهما الله سبحانه بريقًا وقوة بالبصر والبصيرة لخير أمتنا العربية، لتستمر العلاقات المميزة الأصيلة بينهما أكثر قوة ومتانة بحكمة وإخلاص الرئيس عبدالفتاح السيسي وشقيقه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود الذي يحمل لشعب مصر الكريم الشقيق كل الحب والتقدير لمواقفه المميزة نحو القضايا المصيرية العربية وفرحة الأمل المتفائل بالخير والقوة للقاء القاهرة والرياض محاطًا بالحب والتقدير لولي العهد السعودي رمز الشباب العربي الشجاع المخلص وما اسفرت عنه هذه الزيارة المباركة المهمة من نتائج بالغة الأهمية. { عضو هيئة أمناء منتدى الفكر العربي عضو جمعية الصحفيين السعوديين alsadoun100@gmail.com
مشاركة :