قالت الحكمة الصينية القديمة: علّمني الصيد ولا تُعطِني سمكة. إن التعليم هو العمود الفقري لجيش التحرير وعقول جنوده هي روح هذا الجيش المنوط به حمل مهمة التحرير على عاتقه. ويأتي هنا السؤال الأساسي لهذا الأمر: كيف لنا أن نستثمر في عقول الشباب؟ وهل ستأتي النتيجة المرجوة؟ وللإجابة عن هذا السؤال يتبادر للذهن تساؤل آخر: هل فعلاً نريد تحرير مصر من الاحتلال العسكري أم انتهى حلم الحرية واستتب الأمر لمجموعة المرتزقة الجاثمين على صدر الوطن؟ فالجلطات في الجسد تعطل عمله، وقد تكون هذه الجلطات في هيئة أشخاص يريدونك نسخة منهم وتفكر بطريقتهم وتتحدث بأسلوبهم ومصطلحاتهم، لا يريدون منك إلا أن تهز رأسك موافقاً لكل مواقفهم، مطمئناً لكل ما يقولون، مهمشاً العقل الذي وهبه لك رب العالمين مختلفاً عن الآخرين . فالعلم والتعليم هما مكان العقل في جسد صحيح حر، وهو قمة النهضة وأعلاها، لنهضة الأمم تقوم على الوعي ولا يأتي الوعي إلا بالعلم. الاستثمار الحقيقي إذا كان لدى أحدهم مال وفيرا، فإنه يذهب إلى هيئات استشارية ودراسات الجدوى الاقتصادية لمشروعات قد يميل إلى أحد هذه المشاريع، وذلك في حالة عدم الخبرة الكافية لدى هذا المستثمر. وهنا نقدم نموذجاً آخر من الاستثمار من نوع آخر، وهو الاستثمار في الكوادر البشرية والعقول المبدعة التي تريد بزوغ أي ضوء ينير لها الطريق. إذا امتلك الفرد أو الكيانات أو الجماعات إعلاماً قوياً + اقتصاداً مسيطراً + إرادة لتعليم قوي = وطناً حراً أفراده يحملون مشاعل الحرية والقوة. وأين تكمن المشكلة؟ تكمن المشكلة في رؤوس دول وكيانات وجماعات أخذت على عاتقها الجمود وعدم التطور، وكأن ما وصلت له أصبح بمحراب التقديس، وأصبح الأفراد تعامل باستراتيجية وأد العقول؛ لكي تظل العقول مقيدة مستعبدة، وكأن صوت يأتي من الجاهلية في الألفية الثالثة: أصبئتم عن دين آبائكم وتتبعون ديناً جديداً يحرر العقول ولا يقبل ببعض لقيمات المعرفة؟ الواجب فعله ما يجب فعله هنا على طرفين هما الشباب الذين يملكون شغفاً للتعلم وللتدريب وتطوير الذات، والطرف الثاني هم المستثمرون في العقول.ونبدأ بالطرف الثاني أولاً: • إنشاء المدارس الداخلية على مناهج متقدمة وإرساء مبدأ البحث في كافة العلوم. • إنشاء جامعات متخصصة في مجالات بناء وصناعة القادة وإدارة الأعمال. • إنشاء معاهد متخصصة في العلوم الإنسانية، علم النفس وعلم الاجتماع. • إنشاء أكاديميات الإعلام والفن والدراما والعلاقات العامة والدولية والعلوم السياسية. • إنشاء مراكز الرأي العام والجماهيري مع مراكز التخطيط والإدارة الاستراتيجية. أما الطرف الأول وهو الشباب فيجب عليهم الكثير، وأول الأمور هو كسر قيد العبودية والاتجاه نحو التعلم الذاتي والقراءة بنهم، والاطلاع الواسع والمحاربة في سبيل التطوير للذات، والإيمان الحقيقي بقوة شخصك مهما قابلت من صعوبات، واعلم جيداً ما يعانيه الشباب، خاصة دول الصراع. العلم نور أُمة قادت العالم قروناً فأثرت في العالم كله بمشارقه ومغاربه، وهرول إلى جامعاته العالم من دمشق إلى بغداد والكوفة والبصرة وغرناطة وقرطبة وإشبيلية وطليطلة وإسطنبول، فلا بكاء على اللبن المسكوب. نعم تكالبت علينا الأمم؛ لأننا قعدنا عن التجديد والتطوير، رغم التاريخ المجيد والإرث العلمي الذي قاد العالم نحو التطور، ويدين العالم كله للحضارة الإسلامية، بما فيه من تقدم، ولكن لا ينفع الآن أن نأتي بسير الأولين ونتذكر الأطلال دون حمل مشاعل البحث والعلم مرة أخرى للرجوع مرة أخرى إلى قيادة الأمم، ولن يتحقق ذلك إلا بالعلم والتوحد، وبذلك تخرج شخصيات تصلح لقيادة الأمة نحو المجد. دُمتم قادرين على التغيير على التجديد والقيام بالثورة على أصنام العقول المتجمدة. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :