يبدو أن وزارة الإسكان باتت أكثر ارتباطا بوضع التشريعات، والتنظيمات، والاستراتيجيات، واستصدار القرارات الداعمة لها من معالجة أزمة السكن المزمنة. الأكيد أن للتشريعات والأنظمة دورا رئيسيا في إرساء قواعد المعالجة الدائمة، إلا أن تحقيق هدفها الأول ببناء 500 ألف وحدة سكنية هو العلاج العاجل والناجع للأزمة. بدأت الوزارة في خطوات واثقة ما لبثت أن تراجعت عنها، وكأنها تتقدم خطوة وتتراجع خطوات في برامجها المعلنة ومشروعاتها المنفذة. تسليم وحدات محدودة يمكن تصنيفه بالعمل الرمزي لا الاستراتيجي، فالعبرة بنسبة التنفيذ مقارنة بالحجم الكلي للوحدات المستهدفة، وهذا ما نحتاج معرفته بدقة من الوزارة. أشغلت الوزارة نفسها والسوق والمستحقين برسوم الأراضي البيضاء، وكأنها تتحدث عن عصا موسى التي ستقلب عجز الوحدات السكنية إلى فائض بين ليلة وضحاها. نحن مع أي قرار يمكن أن يسهم في خفض قيمة العقارات، ويساعد على التوسع في البناء، إلا أننا ضد الانسياق الخاطئ خلف وعود وأوهام لا يمكن أن تصل بنا إلى المعالجة الحقيقية للأزمة. أعتقد أن وزارة الإسكان تسعى لتعليق فشلها على الآخرين، فهي لم تكتف بإحراج نفسها، بل أسهمت في إحراج المؤسسة الشرعية بإجراءاتها الخاطئة وغير المدروسة. ليس من حق وزارة الإسكان رفع الصوت بالشكوى، وهي تمتلك 250 مليار ريال، ومساحات شاسعة من الأراضي في جميع مناطق المملكة. يجب على الوزارة إنجاز مشروعاتها حتى نفاد مخزونها من الأراضي، قبل أن تعلق أخطاءها على الآخرين. أزعم أن معالجة أزمة السكن الحالية يمكن تحقيقها من خلال التأثير في ميزان العرض والطلب، فمن خلالهما يمكن تحقيق الأهداف العاجلة التي يبحث عنها المواطن، والوزارة، وولي الأمر. لا يمكن للـ«إسكان» معالجة الأزمة بمعزل عن التأثير الإيجابي في حجم عرض الوحدات السكنية، والأراضي البيضاء المعدة للبناء. أجزم بأن الحكومة هي الجهة الوحيدة القادرة على تحقيق ذلك الهدف. قطاع الإسكان لا يعاني شح التمويل، أو شح الأراضي ــ كما يشاع، بقدر معاناته من بطء تنفيذ الوزارة مشروعاتها الحيوية. كتبت غير مرة أن الوزارة قد تجد نفسها غير قادرة على التعامل بكفاءة مع تنفيذ مشروع 500 ألف وحدة، والذي يحتاج إلى إشراف دقيق، وشركات عالمية قادرة على التنفيذ السريع مع ضمان الجودة. لو جزأت الوزارة مشروعها الضخم إلى خمسين مشروعا سكنيا على مستوى المملكة، بحيث يضم المشروع الواحد 10 آلاف وحدة سكنية، ويوزع على 50 شركة عالمية، وبعض الشركات الوطنية القادرة على الإنجاز، لضمنت الإنجاز السريع والجودة، وخفض مخاطر التعثر. لن تجد الحكومة صعوبة في توفير التمويل اللازم مع وجود الفوائض المالية، والاحتياطيات التي يفترض أن تعجل في معالجة الأزمة الخانقة بكفاءة عالية، إلا أن الحلول التقليدية لم تعد مناسبة لمعالجة أزمة السكن، فالأموال الضخمة قد لا تصنع المعجزات في غياب الفكر التطويري القادر على توفير السكن المناسب؛ في الوقت المناسب لجميع شرائح المجتمع.
مشاركة :