بغداد – توقّع رئيس البرلمان العراقي سليم الجبوري تشكيل حكومة قائمة على الأغلبية السياسية غير الطائفية بعد الانتخابات البرلمانية المقررة في 12 مايو المقبل، وذلك خلافا لما هو سائد على مدى السنوات الماضية. منذ أول حكومة عرفها العراق بعد الغزو الأميركي في 2003، والذي أدّى إلى سقوط النظام العراقي الأسبق، يجري تشكيل الحكومات وتوزيع الوزارات بالتوافق بين الكتل الرئيسية من الشيعة والسنة وأحزاب إقليم الشمال، ما يصطلح على تسميته بنظام “المحاصصة”، القائم على تقسيم السلطات حسب نسب المكوّنات الطائفية والإثنية للشعب العراقي. لكن الجبوري، يقول إن “المرحلة السياسية المقبلة قد تشهد تغييرا لأول مرة”. ويضيف “المزاج العام السياسي يذهب باتجاه أن تشهد المرحلة القادمة حالة أغلبية سياسية”. وترتبط مفردة “الأغلبية السياسية” غالبا بالكتل الشيعية التي تتحالف ضمن ائتلاف واحد وتستحوذ على غالبية مقاعد البرلمان، وهو مفهوم يتمنى الجبوري (سني) أن يتغيّر بعد الانتخابات المقبلة، ليصبح أغلبية سياسية غير طائفية. ويقول إن “الأغلبية السياسية لا تتجاهل المكوّنات”، مستدركا “لكن ما نتمناه بشكل واضح ألاّ نعود مجددا إلى المفهوم السائد بأن الأغلبية السياسية لا تتجسد إلا ضمن الكيانات السياسية الشيعية فقط”. ويعتقد الجبوري أن نموذج الأغلبية السياسية قد ينجح حتى وإن كان بين قوى سياسية مختلفة الأطياف المذهبية والعرقية في حال كانت تتوافق موضوعيا بشأن البرنامج الحكومي. وعادة ما تتوافق الأطراف السياسية العراقية لاختيار رئيس الوزراء بمباركة من قوى إقليمية وغربية على رأسها الولايات المتحدة وإيران. ويرى الجبوري أن التوافقات الداخلية ستلعب دورا حاسما في المرحلة المقبلة، متابعا “الكل يتجه في الفترة المقبلة نحو توافقات سياسية داخلية لا تتجاهل مساندة الأطراف الدولية والإقليمية، لكن المرتكز هي التفاهمات الداخلية”. التحالفات الانتخابية دأب الشيعة على مدى السنوات الماضية على تشكيل ائتلاف موحّد داخل البرلمان ضمن لهم لعب دور محوري في قيادة البلاد على عكس السنّة الذين توزعوا على عدة كتل سياسية. ويستحوذ التحالف الشيعي الحاكم في العراق على 180 مقعدا في البرلمان العراقي (من أصل 328 مقعدا)، ويضم معظم التيارات الشيعية في البلاد. ويرى الجبوري أن “واحدا من الأمور التي جعلت الأطراف السنية لا تتوحد هو الخشية من أن توحدهم قد يفضي إلى وجود تشكيلات مقابلة ذات طابع قومي أو طائفي، وهذا يخلق حالة من الاصطفاف”. ومضى رئيس البرلمان العراقي موضحا “أيضا الأطراف السياسية السنية لديها تصورات تختلف عن بعضها، بالتالي كل واحد يرغب أن يخوض غمار الحملة الانتخابية بمفرده”. ما نتمناه بشكل واضح ألا نعود مجددا إلى المفهوم السائد بأن الأغلبية السياسية لا تتجسد إلا ضمن الكيانات السياسية الشيعية فقط وفي إشارة إلى الزعماء السنة الآخرين، لفت الجبوري إلى أنه “ضمن إطار الحملة الانتخابية هم منافسون ولكن هناك مشتركات تجمعنا معهم ولا أدري قد يتم التفاهم معهم أو مع غيرهم وفق طبيعة الحوارات”. وتحالف الجبوري مع العلماني إياد علاوي (رئيس الحكومة العراقية من 28 يونيو 2004 إلى 6 أبريل 2005) لخوض الانتخابات المقبلة، حيث سيتنافس تحالفهما مع التحالف الذي يقوده رئيس البرلمان السابق أسامة النجيفي (تحالف القرار العراقي) للحصول على أصوات الناخبين السنة في شمالي وغربي البلاد. وقال الجبوري “لحد الآن لم نفتح حوارا مع كتلة أسامة النجيفي بشأن مرحلة ما بعد الانتخابات، باستثناء الاتفاق على الأطر العامة التي كانت تجمعنا سابقا. ونعتقد أنه من المهم إيجاد جبهة سياسية تضم الأطراف مع بعضها لتشكيل الجبهة الأكبر وتضم أطرافا كردية وشيعية وسنية ومدنية وغيرها”. عن تكرار الجدلية حول تقسيم المناصب التنفيذية التي تعقب كل دورة انتخابية يظن الجبوري أن المرحلة المقبلة لن تشهد تغييرات تذكر في توزيع الرئاسات الثلاث، الوزراء للشيعة والجمهورية للأكراد والبرلمان للسنة. ولا يخفي رئيس البرلمان العراقي طموحه بقيادة السنة في بلاده بقوله “بالنسبة لنا كان هذا يمثل طموحا ليس الغاية منه التسيد على واقع وفرض إرادة، لكن كنا راغبين في تغيير العقلية السنية في التعامل مع الدولة”. وتابع “سابقا كانت هناك مساحة بين الجمهور السني وبين الدولة وبين الجمهور وصانع القرار السني”. وكان الجبوري، الذي يعدّ من أبرز الشخصية السنية في الوقت الحالي، أمينا عاما للحزب الإسلامي العراقي قبل أن يستقيل في صيف العام الماضي ويؤسس تيارا مدنيا باسم “التجمع المدني للإصلاح”. أزمة النازحين ونزاهة الانتخابات تبقى أزمة النازحين في البلاد تؤرق السياسيين السنة، ومنهم الجبوري نفسه، قبيل إجراء الانتخابات البرلمانية القادمة. ووفق أرقام مفوضية الانتخابات فإن نحو 24 مليون شخص يحق لهم التصويت في الانتخابات البرلمانية. وتتخوف القوى السياسية السُنية من أن تفقد الكثير من تمثيلها في الحكومة والبرلمان القادمين في حال لم تتح الفرصة لأكثر من 2.5 مليون نازح للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات. ونزح 5.7 مليون شخص من ديارهم منذ اجتياح تنظيم داعش لشمالي وغربي البلاد غالبيتهم من السنة، وتقول الحكومة العراقية إن نصفهم عادوا إلى منازلهم حتى الآن، بينما يتوزع البقية في المحافظات الأخرى ومخيمات النزوح. ويقول الجبوري إن البرلمان أرسل كتابا للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات يطالب فيها بضرورة فتح مراكز اقتراع للنازحين سواء داخل أو خارج محافظاتهم، مضيفا “كانت هناك استجابة نوعا ما”. لكنه أشار في الوقت ذاته إلى أن “القلق يساورنا بشأن نزاهة وشفافية الانتخابات”. وأكد الجبوري أن البرلمان سيكثّف من الرقابة الكفيلة بأن يُدلي الناخبون بأصواتهم بحرية. وأضاف “نعلم أن الانتخابات قد لا تكون أولوية لدى النازح نتيجة ظروف النزوح، إلا إذا أقنعناه بأن مشاركته ستقود إلى حالة الاستقرار المنشودة”.
مشاركة :