طالب نشطاء من شباب تونس وفتياتها بإنشاء "رابطة وطنية تجمع مختلف قوى المجتمع المدني" بناء على "ميثاق شرف" يدافع على مدنية الدولة ونمط المجتمع والثقافة السياسية المدنية وذلك لمواجهة مشروع الإسلام السياسي ممثلا في حركة النهضة. جاء ذلك خلال ورشة عمل نظمتها الجامعة التونسية مساء الخميس في إطار انفتاحها على الحياة العامة بصفة خاصة وعلى المجتمع بصفة عامة. وشارك في الورشة التي أشرف عليها أساتذة جامعيون 37 طالبا وطالبة إضافة إلى 17 ناشطة وناشط في عدة جمعيات تنشط في مجال الدفاع عن الحقوق المدنية. وتضمنت الأشغال تقديم ثلاث دراسات أعد الأولى وسام الرياحي تحت عنوان "واقع قوى المجتمع المدني" وقدمت الثانية إلهام بن حميدة حول "دور المجتمع المدني في مكافحة الإسلام السياسي" وقدم الدراسة الثالثة راضي جعيط تحت عنوان "علاقة منظمات المجتمع المدني بالشأن العام في تونس. وفي تقديمه لأشغال الورشة قال وحيد جمعة أستاذ العلوم السياسية إن "الهدف من تنظيم الندوة هو التعرف على آراء النشطاء من الطالبات والطلبة وغيرهم من شباب تونس بشأن أداء منظمات المجتمع المدني خلال هذه الفترة الدقيقة من تاريخ تونس". وشدد جمعة على أن "النشطاء الشبان لا يتبنون بالضرورة نفس منظومة القيم السياسية والمدنية التي تطغى على الشأن العام" لافتا إلى أن "إنه من حق النخبة الصاعدة أن تشارك في الحراك الاجتماعي والسياسي والمدني". ويضج المجتمع التونسي بالعشرات من منظمات المجتمع المدني منها الناشطة في مجال الدفاع عن حقوق المرأة مثل "جمعية النساء الديمقراطيات" ومنها ما ينشط في مجال الدفاع عن حقوق العمال وفي مقدمتها الاتحاد العام التونسي للشغل ومنها ما ينشط في مجال الحقوق الإنسان مثل الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان وغيرها. وعلى الرغم من "قاسم الفضاء المدني المشترك" فإن تلك الجمعيات تنشط منفردة لتركز اهتماماتها فقط على مجال نشاطها مما جعل منها قوى مشتتة كثيرا ما طغى الشأن السياسي على نشاطها رغم أن عددا منها يعد أكثر أداء وثقل في المجتمع من الأحزاب. وخلال تحليله لـ"واقع قوى المجتمع المدني" قال وسام الرياحي وهو طالب بالمرحلة الثالثة اختصاص علوم سياسية إن "المجتمع المدني في تونس تراجع دوره خلال السنوات السبع الماضية باستثناء الاتحاد العام التونسي للشغل على الرغم من أن المجتمع وتعقيدات الشأن العام تستوجب الرفع من أدائه في مختل المجالات". وقال الرياحي إن نتائج الدراسة الميدانية التي أعدها أظهرت أن 77 بالمئة من الشباب يرون أن الشأن العام ليس حكرا على السياسيين وإنما هو أيضا من مشمولات منظمات مجتمع مدني عريقة تمتلك من القوة ما يؤهلها لتكون "قوى ضغط إيجابي". غير أنه لفت بالمقابل إلى أن 57 بالمئة ممن شملتهم الدراسة رأوا أن "غالبية تلك القوى لا تقوم بدورها كما يجب نتيجة سياسات ممنهجة قادت إلى تهميشها والحد من أدائها في المشاركة الفاعلة في إدارة الشأن العام الوطني. وقال الرياحي إن 61 بالمئة من الشباب يرى أن واقع قوى المجتمع المدني لا يعكس لا عراقتها ولا دورها التاريخي نتيجة حالة التشتت وهي حالة مماثلة للأحزاب السياسية. وشدد الرياحي على أن أخطر ما يواجه منظمات المجتمع المدني هو "احتواؤها نشاطها من قبل الأحزاب السياسية التي تسعى إلى الهيمنة على الشأن العام أو الهيمنة عليها من خلال اكتساحها عبر انتخاب الهيئات التي تشرف عليها. وأشار هنا إلى أن عمادة المحامين الشبان مثلا التي كثيرا ما ناضلت من أجل استقلاليتها للدفاع عن المهنة وقعت تحت قبضة النهضة لتتجرد من هويتها المدنية. وفي تقديمها لدراستها حول دور المجتمع المدني في مكافحة الإسلام السياسي" قالت إلهام بن حميدة وهي طالبة تعد شهادة دكتوراه حول نفس الموضوع إن "القوة الأكثر قدرة على مكافحة الجماعات الإسلامية تتمثل في مكونات المجتمع المدني ومدى أدائه". وشدت الباحثة على أن "منظومة الثقافة المدنية التي يتبناها المجتمع التونسي بفئاته ونخبه العلمانية تبقى مرشحة للعديد من المخاطر في ظل مشروع الإسلام السياسية". وأظهرت الدراسة التي تعدها بن حميدة أن 73 بالمئة من الشباب التونسي يراهنون على قوى المجتمع المدني في مكافحة الجماعات الإسلامية أكثر من مراهنتهم على الأحزاب". وقال 71 بالمئة إن حركة النهضة ليست حزب مدنيا ديمقراطيا وإنما هي جماعة دينية وجزء من تنظيم الإخوان تبقى مهما قدمت من التنازلات خطرا على مدنية الحياة العامة. وبدا الشباب الناشط في المجتمع المدني أشد تمسكا برفضه لحكم الإسلاميين حيث قال 81 بالمئة إنهم يرفضون أن تحكم تونس حكومة إسلامية "لأنها ستعود بتونس إلى الوراء ولا تهدف سوى إلى إقامة دولة الخلافة على أنقاض الدولة المدنية". وقالت بن حميدة إن النتائج الأولية لدراستها توصلت إلى مؤشر في غاية الأهمية حيث قال 89 بالمئة من الشبان والفتيات إن نشاطهم في المجتمع المدني يهدف أساسا إلى مكافحة الإسلام السياسي بجميع أشكاله وقطع طريق الحكم أمام حركة النهضة. ويبدو، كما يذهب إل ذلك محللون، أن أجيال الشباب التونسي تخشى من الإسلام السياسي أكثر من جيل الآباء إذ يرون فيه تهديدا لحرياتهم الشخصية والاستمتاع بالحياة. وقد أكدت هذه الفكرة الدراسة التي قدمها راضي جعيط وهو ناشط في الاتحاد العام لطلبة تونس "علاقة منظمات المجتمع المدني بالشأن العام" حيث لاحظ أن 89 بالمئة من الشبان والفتيات التي شملتهم الدراسة يعتبرون الإسلام السياسي الخطر الأول الذي يهدد حرياتهم الشخصية ويسعى إلى فرض قيود دينية على حياتهم اليومية. وأظهرت الدراسة أن 73 بالمئة من الشباب يرون أنهم معنيين مباشرة بالشأن العام ومن حق قوى المجتمع المدني أن تبدي آرائها ومواقفها تجاه السياسات التي تنتهجها الحكومة. وشدد 83 بالمئة على أن مدنية الدولة ومدنية الثقافة السياسية تبقى رهن مدى تأثير نشطاء المجتمع المدني في الشأن العام لا رهن احتكاره من قبل الأحزاب. وفي تعليقه على هذه النتائج قال راضي جعيط "إن النشطاء لا يثقون كثيرا الخطاب السياسي للأحزاب التي تجاهر برفضها للإسلام السياسي" مشيرا إلى أن "تحالف النداء مع حركة النهضة عمق القوة بين أولئك النشطاء والأحزاب السياسية". وفي ختام ورشة العمل دعا النشطاء إلى "إنشاء رابطة تجمع مختلف قوى المجتمع المدني" وإلى "ميثاق شرف" يكون بمثابة "العقد المدني" بما من شأنه أن يرفع من أداء تلك القوى في مكافحتها لظاهرة الإسلام السياسي وما يمثله من خطر. وفي تعليقه على نتائج الدراسات الثلاث قال آزر الهمامي أستاذ العلوم السياسية بالجامعة التونسية لمراسل ميدل ايست أونلاين إن "الخيط المشترك الذي يربط الدراسات هو أن الشباب التونسي لا يرى في الإسلام السياسي تهديدا لمدنية الدولة ونمط المجتمع فقط وإنما يرى فيه خطرا على ممارسة حرياته الشخصية وحرمانه من الاستمتاع بها.
مشاركة :