تعيش الفرق الصوفية وضعا شبيها بوضع العملاق النائم، حيث لا تزال تحافظ على أتباع بالآلاف في محافظات مختلفة من تونس، لكن أنشطتها محدودة وبعيدة عن الأضواء ما يعبد الطريق أمام تيارات الإسلام السياسي، وخاصة حركة النهضة، للسيطرة على المساجد والأنشطة ذات الطابع الديني. يأتي هذا في وقت تبرز فيه دعوات إلى إعادة إحياء الأنشطة الصوفية ذات الطابع الروحي الذي يهتم بالفرد، وذلك من أجل استعادة الهوية الدينية للبلاد والوقوف بوجه النماذج الوافدة سواء من الإخوان أو السلفيين أو التشيع.وحذر خبراء متخصصون بالتيارات الدينية من محاولات تجري لدفع الصوفية إلى مربع تسييس الدين وإعادة إنتاج وجه آخر للإخوان أو السلفيين، وهو ما يفتح الباب أمام صراع حام على توظيف الدين لتحقيق مكاسب سياسية مباشرة للأشخاص، ما قد يجر البلاد إلى مواجهات هي في غنى عنها. وأعربت طريقة صوفية تونسية، الثلاثاء، عن استنكارها لما قالت إنه “حملة تشهير وإساءة” تستهدفها في الفترة الأخيرة، إثر اتهامها بـ”الإرهاب والدمغجة (غسيل الدماغ)”، داعية السلطات إلى رفع “المظالم” عنها. جاء ذلك خلال مؤتمر صحافي عقدته بالعاصمة التونسية، “الطريقة البوبكرية” (صوفية)، بالاشتراك مع “اتحاد الطرق الصوفية بتونس″ (مستقل)، و”جمعية قدماء جامع الزيتونة” (مستقلة). وقال معز بالحاج، محامي الطريقة وأحد أتباعها، في المؤتمر إن “الاتهامات الموجهة للطريقة لا تعدو أن تكون مجرد اتهامات كيدية، ولا أساس لها من الصحة”. وأضاف المحامي أن “أهل التصوّف في تونس يُعرَفُون، منذ عقود، بمنهجهم الوسطي المعتدل والسلمي، ودعوة الناس إلى التسامح، ونبذ العنف والتطرف، ولم يصادف في تاريخ البلاد أن تمت إدانة متصوّف في الطريقة البوبكرية بعمل إرهابي”. ويعتقد خبراء في التيارات الدينية أن استمرار حالة الغموض التي تحيط بالفرق الصوفية لا يخدمها في شيء، إذ تبدو وكأنها بلا جمهور من المريدين، خاصة أن شيوخها يلازمون الصمت، وهو ما قد يدفع إلى ظهور قيادات جديدة متنطعة وغير متشبعة بالفكر والسلوك الصوفيين. كما يفتح الباب أمام أنصار جماعات الإسلام السياسي لاختراق بعض الفرق ومحاولة تجييرها في معارك سياسية أو دينية. ويفضل أنصار فرق مثل الشاذلية والقادرية إخفاء انتمائهم، ولا تكاد تجد من يدافع عن هذه الطرق في وسائل الإعلام بسبب انكفائها على ذاتها، وحتى بعد الثورة لم يسع الصوفيون للاستفادة من أجواء الحرية لإظهار أفكارهم ودعوة الناس إليها.كما أنهم لم يعملوا على تأسيس جمعية كبيرة تضم تحتها مختلف الفرق الصوفية، وتمتلك مقار يمكن للناس أن يزوروها للسؤال أو التعرف على قادة المشايخ والتواصل معهم. وفي تحرك نادر، يسعى محامي الطريقة البوبكرية إلى رفع قضية على رئيس الجمعية التونسية للمحامين الشبان ياسين اليونسي، الذي قام في فبراير الماضي، بنشر صور لشيخ الطريقة عبدالغني البوبكري، ومجموعة من المريدين في أحد مجالس الذكر بالعاصمة، عبر صفحته بموقع فيسبوك. ولفت معز بالحاج إلى أن اليونسي “اتهمهم بخلق نوع من الإرهاب الفكري والدمغجة”، في حادثة قال إنها جاءت عقب غلق السلطات التونسية لإحدى المدارس القرآنية بمدينة الرقاب بمحافظة سيدي بوزيد (وسط). من جانبه، دعا حاتم السايغي، وهو أحد أتباع الطريقة البوبكرية، السلطات التونسية إلى “العمل على رفع المظالم، والتصدي لمظاهر الشيطنة ضد الطرق الصوفية التي من شأنها أن تحدث فتنة في المجتمع إن لم يتم وضع حد لها”. والطريقة البوبكرية هي إحدى الطرق الصوفية التي تنشط في تونس، ويقودها حاليا عبدالغني البوبكري الذي تسلم الطريقة عن إسماعيل الهادفي المنتسب للطريقة المدانية (طريقة صوفية تنشط خصوصا شرقي تونس)، وذلك إثر وفاته عام 1995.
مشاركة :