الأسباب العشرة للربيع العربي - فاضل العماني

  • 11/2/2014
  • 00:00
  • 15
  • 0
  • 0
news-picture

الربيع العربي، هذا المصطلح الملتبس الذي استخدم ووظف من قبل المثقفين والمفكرين والسياسيين، فضلاً عن الدوائر والنظم والدول، مازال يدور في فلك التعريفات والتوصيفات والقناعات باعتباره ضيفاً جديداً و مثيراً، قَدِم للساحة العربية منذ قرابة الأربع سنوات، وتحديداً في أواخر عام 2010 و مطلع 2011. وبعيداً عن فخاخ المصطلحات والمفاهيم والمسميات، يمكن التعبير عن هذا ال"ربيع العربي" بأنه تحول تاريخي كبير شهدته المنطقة العربية بدءاً بتونس ثم مصر و ليبيا واليمن وسوريا، ويبدو أن الأمر قد يستمر إلى أبعد من ذلك بكثير، خاصة وأن الظروف والمناخات التي تسببت في حدوث هذا التسونامي الهائل، مازالت تتمظهر في البيئات والمجتمعات العربية، وبشكل متسارع للغاية. ويبقى السؤال دائماً: ما هي الأسباب الحقيقية التي أدت إلى قيام هذا الربيع العربي؟ سؤال طويل ومعقد كهذا، يتطلب قدراً كبيراً من الدراسة والتأمل والبحث، لا مجرد رصد لمجموعة أسباب وذرائع حرضت على هذه الموجات العاتية التي حملها الربيع العربي، والتي أغرقت العالم العربي، وجعلته عرضة للكثير من الأزمات والتحديات. الأسباب كثيرة جداً، ولكن يمكن تجميعها في عشر نقاط رئيسية، وهي: اتساع الهوة بين الجماهير والسلطة الحاكمة، مما يتسبب في وجود حالة تأزم للأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فلم تجد تلك الجماهير أمامها إلا المبادرة بتغيير واقعها بنفسها. غياب الحريات والحقوق وتداول السلطة والتعددية السياسية، وهي المنظومة الديمقراطية التي تبحث عنها الشعوب العربية منذ عقود طويلة، وقد أتاحت لها هذه الثورات والاحتجاجات التي بشر بها الربيع العربي، الفرصة كاملة لنيلها، ولو بتقديم الكثير من التضحيات والجهود والطاقات. العامل الاقتصادي، والذي يتصدر قائمة المطالبات والإصلاحات والعلاجات، حيث يعتبر هذا العامل الحساس، هو المحرك الأكبر لأحداث الربيع العربي، إذ تعتبر معدلات البطالة والفقر وضعف الأجور في أدنى معدلاتها، في مقابل غلاء وارتفاع المعيشة في العالم العربي. تنامي حالة الطبقية الثنائية في العالم العربي، وتلاشي الطبقة الوسطى بمختلف أشكالها ومستوياتها، والتي تعتبر صمام الأمان لحفظ أي مجتمع، إذ أصبح العالم العربي مقسوماً إلى شرائح ثنائية، أغنياء و فقراء، متعلمون و أميون، يمينيون و يساريون، علمانيون ومتشددون،... وهكذا. تأثيرات العولمة الكونية، خاصة في جانبها السلبي، إذ إن العولمة، رغم كل ما بشرت به من ترسيخ لحالة الانفتاح والالتقاء والاندماج بين كل المجتمعات، مبنية في الأساس على النموذج الرأسمالي مما قد تؤثر –أي العولمة- على الكثير من القيم والمبادئ والمفاهيم والسلوكيات كالحرية والعدالة والمساواة والشراكة المجتمعية و الانصهار في وحدة المصير بين كل مكونات واعتبارات المجتمع الواحد. التحولات الكبرى في مجال الاتصالات والتقنية الحديثة، بوسائطها ووسائلها الاجتماعية كتويتر والفيسبوك والواتس آب, ساهمت بل قادت الجماهير العربية الشابة التي تمثل الأغلبية الساحقة في التركيبة السكانية لمعظم الدول العربية، لصنع ربيعها العربي. فالنظم التقليدية التي حكمت البلاد العربية لعدة عقود، لم ولن تستطيع مقاومة الإعلام الجديد والشاب بكل وسائله ووسائطه وتقنياته. تنامي حالة الإحباط واليأس والتذمر لدى الشعوب والمجتمعات العربية بسبب تفاقم الأزمات والملفات والصعوبات، كالصحة والتعليم والتنمية والمرأة, والعلاقة مع الغرب, والفساد بمختلف أشكاله ومستوياته، وسيطرة الفكر الواحد، وغياب مظاهر التعدد والتنوع والتمايز، وعدم الشعور بالحياة الكريمة وهيمنة التجار وأصحاب المصالح من المسؤولين على الحركة المالية والاقتصادية, والكثير من الملفات والأزمات التي تتسبب في زيادة منسوب اليأس والإحباط عند مختلف شرائح ومكونات المجتمعات العربية. حالة الترهل الشديد التي أصابت النخب الثقافية والفكرية والسياسية، مما وضع الفئة العمرية الشابة (15-40) في حالة فراغ كبير خال من القيادات والرموز الملهمة، فكان القرار أن تقوم هي بما عجز عنه أولئك الرواد كل تلك العقود الطويلة. قناعة الجيل الشاب بفشل كل المبادرات والخطوات التي تبنتها تلك الأجيال السابقة في تعاطيها مع السلطات الحاكمة المتعاقبة، دفعها لصنع ربيعها العربي، الذي يشبهها ويتلاءم مع طبيعتها المتجددة والديناميكية. تنامي حالة الفرز والمقارنة بين مختلف الدول والشعوب والمجتمعات العربية، سواء على مستوى التنمية والرفاه والبنى التحتية، أو وضوح العلاقة التعاقدية العادلة بين الدولة وطوائفها وأطيافها المختلفة. وقد خلقت هذه الظاهرة –المقارنة- حالة من عدم الرضا والتذمر. غياب التعددية كضابط حضاري عند الاختلاف، خاصة وإن دول الريع العربي –بل أغلب الدول العربية- لا تتمتع ببنية تعددية، سواء كانت عرقية أو ثقافية أو فكرية أو مذهبية. وكما هو معلوم، فإن التعددية، قيمة أصيلة في المجتمعات الإنسانية، القديمة والحديثة. ونظراً لغياب التعددية كطريقة مثلى وكأسلوب حضاري لمواجهة الخلافات والصراعات والتحديات التي قد تحدث بين بعض مكونات وفئات المجتمع، فقد يستخدم المختلفون الكثير من الأساليب والطرق، لإدارة صراعاتهم وحروبهم، ولعل الخروج للشارع كان أحد الحلول التي وَجَدت لها مصفقون ومرحبون. تلك هي أبرز الأسباب التي ساهمت في صناعة الربيع العربي، وهي أسباب داخلية عربية بامتياز، ولكن هناك من يؤكد بأن هذا الربيع العربي المزعوم، ما هو إلا صناعة غربية، وهي امتداد طبيعي لحالة التآمر الذي تمارسه النظم والدوائر والمراكز الغربية التي تتكسب من حالة الفوضى والانقسام والاقتتال العربي. نعم، هناك جدل واسع حول مرجعية هذا الربيع العربي، هل هي محلية أم خارجية؟ ولكل فريق مبرراته ومتبنياته وأدلته، التي يسوقها من أجل إثبات وتوضيح رؤيته وقناعاته. ولكن، ماذا عن نتائج ومآلات هذا الربيع العربي المثير؟ المقال القادم، سيُحاول الكشف عن ذلك.

مشاركة :