المجندات السعوديات أمام معركة إثبات الذات

  • 3/11/2018
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

تعيش السعوديات منذ تولّى العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز العرش على إيقاع وتيرة من التغييرات والإصلاحات المتسارعة، جعلتهن أكثر تطلعا إلى مستقبل تسود فيه مساواة حقيقية بين المرأة والرجل. واتخذت الحكومة السعودية، مؤخرا، خطوة أخرى في إطار المزيد من تفعيل مشاركة النساء في الحياة العامة، وذلك بفتح باب التجنيد الاختياري أمام الفتيات للالتحاق بالحياة العسكرية برتبة مجند. وأعلنت مديرية الأمن العام عزمها قبول خريجات الثانوية العامة بالوظائف العسكرية، في العديد من المدن الرياضية، منها الرياض ومكة المكرمة والمدينة المنورة والقصيم وعسير والباحة والشرقية. وكانت السعودية قد شهدت في عام 2017 سلسلة من القرارات الملكية التاريخية، تضمنت منح النساء عدة حقوق لأول مرة، منها رفع الحظر عن قيادة السيارة، والسماح لهن بدخول ملاعب كرة القدم، وتوليهن مناصب عليا في البلاد. الإصلاحات المتتالية لولي العهد الأمير محمد بن سلمان تعطي صورة أكثر إشراقا عن دور المرأة السعودية في صناعة نمط اجتماعي وسياسي جديد يقطع مع رواسب الماضي، ويؤسس لمستقبل تصنعه أكف النساء وسواعد الرجال معا. ولم تأت مختلف هذه المكاسب التي حظيت بها المرأة السعودية من فراغ، بل كانت باكورة “رؤية 2030” التي أطلقها الأمير محمد بن سلمان في عام 2016، والتي تهدف إلى إجراء إصلاحات شاملة في السعودية. ويبدو أن ولي العهد السعودي عازم على تغيير صورة بلاده وتحقيق التنمية والأمن والاستقرار، وهذا أهم من أي طموح سياسي شخصي لولي العهد. وخلال سنوات قليلة تمكن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان من إحداث تغيير كبير في واقع المرأة السعودية، جعلت وسائل الإعلام تعكس أضواءها على الدور الريادي الذي يمكن أن تقوم به المرأة السعودية في بلادها، إذا ما أتيحت لها الفرصة لممارسة المهن التي يحتاجها المجتمع في النطاق التعليمي والصحي والإداري ومراكز صنع القرار. وتعكس خطوة تعيين الدكتورة تماضر بنت يوسف الرماح نائبا لوزير العمل والتنمية الاجتماعية، الفكر الحداثي للأمير الشاب الذي بدا مؤمنا بدور المرأة الكبير في تحقيق النمو الاقتصادي والرفاه الاجتماعي والرقي الحضاري، فالمرأة في النهاية ليست أقل شأنا من الرجل، بل لديها قدراتها الخاصة على العمل باستقلالية ومع الآخرين، وبنفس القوة ومستوى كفاءة الرجل. زوال رواسب الماضي ورغم أن السعودية تنفق مليارات الدولارات على تعليم الإناث، ويفوق عدد خريجات الجامعات عدد الخريجين الذكور، إلا أن نسبة من يدخلن سوق العمل لا تتجاوز الـ15 بالمئة. نجلاء محمد السليم:  خصوصية المجتمع السعودي لم تكن يوما عائقا في طريق الإصلاحات ولسنوات طويلة ظلت التقاليد المحافظة والقيود الصارمة التي تفرضها بعض الحلقات المتشددة من رجال الدين تكبّل طموحات النساء السعوديات، وتفرض عليهن العمل في مجالات معينة ومحدودة. غير أن فتح المجال أمام الفتيات ولأول مرة، لتولي مناصب عسكرية يعطى مؤشرا جديدا على أن رواسب الماضي في طريقها للزوال، وأن آفاق التمكين الاقتصادي للمرأة ستصبح أوسع في المستقبل. وعبرت الكاتبة آمنة الذروي عن ابتهاجها بخبر السماح للنساء السعوديات بالالتحاق بالخدمة العسكرية وتوليهن مناصب مرموقة في الجيش أسوة بالرجال. وقالت الذروي لـ”العرب”، إن “المرأة بالسعودية لديها الإمكانيات والمؤهلات للقيام بأي عمل إن أرادت، وهي تعيش الآن عهدا جديدا متجددا مع الملك سلمان بن عبدالعزيز”. وأضافت “استقبل قرار السماح بالتجنيد الاختياري للنساء بفرحة عارمة، خاصة في صفوف الفتيات اللاتي أكملن تعليمهن ولم تتح لهن الفرصة للحصول على وظيفة، وهذا المجال سيؤمن للكثيرات سبلا لتحقيق الرفاه الاجتماعي والاقتصادي لهن ولمجتمعهن”. وأوضحت “أعتقد أن تقلد المرأة السعودية لرتبة جندي تشريف لها ولمجتمعها المحافظ، وقد حان الوقت لأن تلعب دورها كاملا في مجتمعها، وتؤسس مع إخوانها الرجال مرحلة جديدة قوامها التكامل في الأدوار والتعاون من أجل تحقيق التنمية الشاملة للسعودية والحفاظ على أمنها واستقرارها”. أحمد قران الزهراني: السؤال الأهم هل القطاع العسكري محتاج فعلا للمرأة وأكدت الذروي أن الإحصاءات الأخيرة التي نشرتها الهيئة العامة للإحصاء، قد بينت أن عدد النساء يساوي حوالي 50 بالمئة من التعداد السكاني للسعودية، وبالتالي بات من “المهم التفكير جديا في توظيفها (المرأة) في كل القطاعات، وإتاحة المجال لها لتضع بصمتها في بناء مجتمعها الحديث”. فيما اعتبرت الدكتورة سحر أحمد الخشرمي الأكاديمية بجامعة الملك سعود سابقا والمقيمة حاليا في دولة الإمارات أن فتح باب التجنيد الاختياري أمام المرأة السعودية خطوة مدروسة، وجزء من الاستراتيجية المستقبلية لعملية التغيير الواسعة والهادفة إلى دعم حقوق المرأة السعودية وتفعيل دورها في المجتمع اجتماعيا وسياسيا. وقالت الخشرمي لـ”العرب”، إن “تولي السعوديات لمناصب عسكرية لم ولن يكون غريبا على المجتمع السعودي الذي اعتاد على رؤية المرأة السعودية منذ سنوات عديدة مرتدية للزي العسكري وفي مواقع مختلفة، كمراكز التفتيش المخصصة للسيدات بالمطارات، والسجون النسائية التي كن وما زلن يعملن فيها برتب عسكرية مختلفة”. وأضافت “أرى أن فتح المجال أمام المرأة للعمل كجندية في قسم الجوازات، ما هو إلا تجسير لمنحها في القريب العاجل ثقة أكبر لخدمة وطنها في عدة مواقع أخرى لم يكن ليخطر على بال أحد أنها قد ترتادها”. عبدالسلام الوايل:  المجتمع السعودي أصبح مهيأ لرؤية المرأة تشارك في مجالات مختلفة وختمت الخشرمي بقولها إن واجب “حب الوطن وخدمته ليس حكرا على الرجل، بل هو واجب يتساوى فيه الجميع، والمرأة السعودية على قدر من المسؤولية التي تجعلها تحمي الوطن وترفع رايته عاليا”. لكنّ السؤال الذي يُطرح هنا، هل من السهل أن يتقبل المجتمع السعودي انتقال المرأة من عالمها التقليدي الذي يتمتع بخصوصية كبيرة، إلى عالم أكثر تحررا وحداثة؟ ترى الفنانة التشكيلية نجلاء محمد السليم أن “خصوصية وأسلوب حياة المجتمع السعودي المحافظ لم تكن يوما عائقا في طريق أي قرارات تنموية أو حضارية تخدم المصلحة العامة، بما في ذلك الإصلاحات التي تخص وضع المرأة السعودية”. وقالت السليم لـ”العرب”، إن “المرأة السعودية احتلت ومنذ القدم مكانة مرموقة بين أفراد قبيلتها وعشيرتها، وكانت لها أدوار سياسية واقتصادية وتعليمية رائدة في مجتمعها في حالات السلم وحتى الحرب، والتاريخ يحفل بقصص كثيرة عن نساء سعوديات قويات عرفن بمواقفهن الجسورة والمقدامة”. وأضافت “لكن منذ ظهور البترول في السعودية بدأ نمط حياة المجتمع السعودي في التغيّر، ومعه تغيّر دور المرأة التي لم تعد تهتم فقط بالزراعة ورعاية الأغنام، بل أصبحت تطمح إلى دخول المدارس والمعاهد والجامعات وحصلت على شهادات عليا في مختلف الاختصاصات، وأعتقد أنها اليوم تملك من المؤهلات ما يجعلها قادرة على تولي أي منصب”. وأكدت السليم أن “انضمام المرأة السعودية إلى الجيش السعودي حتمته تحديات الحاضر والمستقبل، ونداء الواجب الوطني الذي لا أحد يستطيع الاعتراض عليه”. عبدالرحمن الحربي:  ليس من السهل على المجتمع السعودي تقبل فكرة عمل المرأة في الجيش الطبيعة الحيوية للمرأة تنقسم المواقف الاجتماعية حول عمل النساء في صفوف الجيش السعودي، ولكنه انقسام يغذيه الاختلاف في الرؤى حول الطبيعة الحيوية التي خلقت عليها المرأة. واعتبر الدكتور أحمد قران الزهراني أستاذ الصحافة والإعلام في كلية الاتصال بجامعة الملك عبدالعزيز أن المجتمع السعودي قد أصبح أكثر تقبلا من ذي قبل لعمل المرأة في أي مجال من المجالات حتى وإن كانت بالمجالات العسكرية. وأشار الزهراني في حديث لـ”العرب” إلى أن “المرأة السعودية قد سبق لها وأن عملت في بعض القطاعات العسكرية، خاصة تلك التي لها علاقة بالتفتيش، وإذا تهيأت لها الأرضية القانونية للعمل العسكري فإنها لن تتردد في ذلك”. وأردف الزهراني حديثه باستفهام إنكاري “لكن السؤال الأهم هل القطاعات العسكرية محتاجة لممارسة المرأة العمل العسكري؟”. وأجاب عن سؤاله قائلا “المرأة السعودية أصبحت مستعدة للعمل في أي مجال من مجالات الحياة، خاصة في ظل التغييرات المجتمعية والحكومية التي تسير بوتيرة سريعة نحو الانفتاح وتعزيز دور المرأة في المجتمع، لكن حسب تصوري ستبقى هناك قطاعات محصورة على الرجال حتى  وإن أباحت بعض الضرورات عمل المرأة فيها”. واستبشر الدكتور عبدالسلام الوايل عضو هيئة التدريس بقسم الدراسات الاجتماعية بجامعة الملك سعود، بالبرامج الإصلاحية التي طالت حقوق المرأة في بلاده قائلا “المجتمع السعودي قد أصبح في السنوات الأخيرة مهيّأ لرؤية المرأة تشارك في مجالات لم تكن معهودة من قبل، وعلى مرّ هذه السنوات نلاحظ أن ملف تمكين المرأة قد تجذر في مؤسسات الدولة وحضورها تزايد، وهذا يعني أن المجتمع قد مرّ بتغيرات ثقافية عميقة تجذرت في العقلية السعودية”.  وأضاف الوايل لـ”العرب”، إن “اقتحام المرأة لمجالات مهنية جديدة أصبح من الأمور الاعتيادية لدى عموم المجتمع السعودي وقد لعب التحام القيم المحلية بالقيم العالمية دورا في هذا التقبل، مما جعل الدولة تستثمر هذا التقبل بالمزيد من التمكين للمرأة، بحيث أصبح الواقع يعزز التوقعات ويضفي عليها المشروعية، ولا أعتقد أن الناس سيستنكرون فتح المجال المهني العسكري أمام المرأة”. وتابع “تبقى طبيعة المهن المخصصة للمرأة في هذا المجال، هل ستكون مقتصرة على المهن المكتبية والصحية أم ستكون شاملة للعمليات العسكرية؟ ربما ستبقى الأدوار القتالية محصورة على الرجل في الوقت الحاضر، لكن في مرحلة لاحقة قد يتوسع ملف تمكين المرأة، وهذا مسار طبيعي ومتوقع للتطور الاجتماعي”. ونوه الوايل إلى أن حضور السعودية قد كان إيجابيا في مختلف المجالات المهنية، مشيرا إلى ما حققته من نجاحات في مختلف القطاعات الحكومية والخاصة وفي عالم الأعمال والتجارة، واقتحامها لمجالات عُدّت ولزمن طويل مجالات ذكورية. ويبدو طموح السعوديات في الانضمام إلى صفوف الجيش مشروعا وقد كفلته لهن سلطات بلادهن، إلا أنه أثار جدلا كبيرا، لاعتقاد البعض بأن عمل المرأة في الجيش من المحرّمات، خاصة أنه سيفرض عليهن الاختلاط بالرجال. وكانت عضوة بمجلس الشورى السعودي قد تقدمت بمقترح طالبت فيه بإلزام الفتيات بفترة تجنيد إجبارية لمدة تتراوح ما بين ثلاثة أشهر وعام، مما أثار ضجة داخل رواق المجلس، وصل صداها إلى مواقع التواصل الاجتماعي. طموح مشروع لكن! سواعد أنثوية تدعم القوى الذكورية للجيش السعودي انتشر على تويتر هاشتاغ #تجنيد_المرأة_السعودية، ندد فيه مغردون بقرار السماح بتجنيد الفتيات واعتبروه يجرد المرأة من حشمتها ويسيء إليها. وقال المغرد نايف بن عميّان “من أثارت هذه القضية لا يمكن أن تكون سعودية الجدّين، كيف تجند النساء وهل بلادنا في حاجة إلى مجندات ورجالنا كثر وشبابنا على أتم الاستعداد.. يريدون أن يدخلوا المرأة في كل شيء”. وقال مغرد آخر “هذا العمل فيه إهانة للمرأة المسلمة، فمن يرضى أن تكون أمه أو أخته أو ابنته بين الجنود في المعسكرات تشاركهم الطعام والمسامرة والنوم”. وتعليقا على ذلك قال رجل الأعمال عبدالرحمن الحربي “ليس من السهل على المجتمع السعودي تقبل فكرة عمل المرأة كشرطية أو مجندة في الجيش، وهذا أمر طبيعي كأي نظام أو توجه جديد في المملكة قد يقابل في البداية بالرفض، ولكن مع مرور الوقت سيتم تقبله بل وحتى تأييده، خاصة إذا ما نظرنا إلى ما سيجنيه المجتمع من مزايا من وجود المرأة في السلك العسكري”. ‏وأضاف الحربي لـ”العرب”، قائلا “قد تواجه المرأة في بداية مشوارها في هذا المجال بعض العقبات، كما يمكن أن تشهد الإدارات التي ستعمل فيها المجندات تحديات ولا سيما أننا نرى اليوم مشاكل في القطاعات العسكرية الخاصة بالرجال واللوم الذي تناله من المجتمع، (على سبيل المثال إدارة المرور)، فما بالنا بقطاع جديد على المرأة”. ‏وختم بقوله “صحيح أن المرأة المجندة موجودة في السعودية منذ عقود، وإن كان ذلك ضمن نطاق ضيق في إدارة الجوازات بالمطارات والشرطة وبعض المنشآت الأخرى، لكن ما سيحدث إن عملت في المرور مثلا مختلف تماما، لأنها ستواجه الناس بشكل مباشر وهذا في حدّ ذاته تحدّ كبير، ربما سيجعلها تتعثر في البداية وقد تواجه مشاكل عدة ويستمر هذا الوضع وقتا طويلا”. من الواضح أن قرار فتح باب التجنيد الاختياري أمام الفتيات قد اتخذ لصالح المرأة السعودية عموما، ولكنه ربما لن يغيّر أيّ شيء على أرض الواقع ما لم تتغير نظرة المجتمع عموما للمرأة.

مشاركة :