لم يكن الحكم في مصر في حاجة لنفي ظاهرة «الاختفاء القسري» أكثر مما أعلنه تنظيم «داعش» في شريط فيديو أخير عن انتماء نجل قيادي في الإخوان، ملأ الدنيا طنطنة عن اختفاء نجله قسرياً ثم قتله، إلى التنظيم الإرهابي، وبعدها ظهور فتاة روجت والدتها لاختفائها قسراً وطلبت تدخل الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإعادتها، فيما ابنتها متزوجة وتقيم في جوارها لكنها تقاطع والدتها برغبة ذاتية منها. الفتاة المصرية زبيدة التي روجت جماعة الإخوان، المصنفة إرهابية في مصر، لاختفائها قسراً على أيدي قوات الشرطة المصرية مثل ظهورها على إحدى الفضائيات المصرية ونفيها توقيفها أو تعذيبها على أيدي قوات الشرطة، ضربة قاصمة للجماعة التي روجت على نطاق واسع لمزاعم والدتها التي تنتمي إلى الإخوان، والتي ظهرت في تقرير أحدث جدلاً كبيراً في مصر أذاعته هيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي» زعمت فيه اختفاء ابنتها قسراً وتعرضها للتعذيب على أيدي قوات الشرطة، ما تسبب في إحراج كبير للجماعة في الداخل والخارج، قبل أن يأمر النائب العام المصري المستشار نبيل صادق بحبس الأم 15 يوماً على ذمة التحقيقات لاتهامها بنشر أخبار كاذبة، والانضمام لجماعة أنشئت خلاف القانون. وكلف النائب العام المصري الأسبوع الماضي المحامين العامين ورؤساء النيابة بمتابعة وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي واتخاذ إجراءات جنائية ضدها، إذا قامت ببث «أخبار أو بيانات أو إشاعات كاذبة». وقبل واقعة الفتاة زبيدة، ظهر عمرو الديب نجل القيادي الإخواني الفار في ماليزيا إبراهيم الديب في شريط فيديو بثه تنظيم «داعش»، بعنوان «حماة الشريعة» في إثبات لكذب وادعاءات جماعة الإخوان عن اختفائه قسراً بعد القبض عليه خلال زيارته القاهرة، قبل أن يقتل على أيدي قوات الشرطة خلال مداهمة منزل في أرض اللواء في الجيزة (جنوب القاهرة) العام الماضي، وحينها اتهم والده السلطات المصرية بقتله وأنكر انضمام نجله لتنظيم «داعش». ونشر الوالد عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» صوراً لنجله عمر قال إنها ملتقطة من داخل مقر مكتب إرشاد الجماعة في حي المقطم في القاهرة، وظهر في صورة أخرى إلى جوار شعار الجماعة، إضافة إلى صورة مع القيادي في جماعة الإخوان الفار في قطر، والصادر ضده حكم بالإعدام يوسف القرضاوي. وظهر عمر الديب في فيديو «داعش» ليُكذب مزاعم تصفيته عمداً بعد توقيفه، إذ أكد الديب أنه عضو في «داعش» وأنه مُكلف بالسفر إلى القاهرة للانضمام لخلية إرهابية لتنفيذ عمليات ضد المواطنين والأهداف الحيوية، وظهر الديب في الفيديو وهو يرسل تحيات لزعيم التنظيم أبو بكر البغدادي. واعترف إبراهيم الديب قبل أيام في بيان بصحة ما بثه تنظيم «داعش»، مؤكداً أنه لم يكن قط على علم بهذا التوجه المفاجئ والصادم لنجله، لافتاً إلى أن الفيديو فجعه. وسبق وأدرجت الولايات المتحدة الأميركية حركتي «حسم» و «لواء الثورة» التابعتين لجماعة «الإخوان المسلمين» على لائحة القوائم الإرهابية، في كانون الثاني (يناير) الماضي، بعدما قررت الحكومة البريطانية إدراج التنظيمين ضمن قائمة المنظمات الإرهابية. وتعرض التنظيمان إلى عدد من الضربات الأمنية العنيفة خلال الأشهر الماضية أسفرت عن مقتل عدد من قياداتها، ما أثر على قدرتهما على تنفيذ عمليات إرهابية في الفترة الأخيرة. ولم تكن واقعة عمر الديب وزبيدة هي الأولى التي تكشف كذب ادعاءات جماعة الإخوان عن الاختفاء القسري، إذ سبقتها وقائع عدة أبرزها الانتحاري محمود شفيق مفجر الكنيسة البطرسية بالكاتدرائية المرقسية في العباسية، والتي أسفرت عن مقتل العشرات وإصابة آخرين في كانون الأول (ديسمبر) من العام 2016، حيث قامت الجماعة بالإبلاغ عن اختفائه قسرياً بعد الإفراج عنه في العام ٢٠١٥، إلا أن ظهوره في كاميرا مراقبة الكنيسة كشفت عن شخصيته، لتؤكد أنه خرج من السجن إلى «داعش»، السيناريو نفسه تكرر مع مهندس يُدعى محمد الضلعي الذي انتمى لـ «داعش» بكنية «أبو مصعب المصري»، وهشام عبد الودود الذي انضم لـ «داعش» في ليبيا، وعبدالرحمن أسامة أحد عناصر جماعة الإخوان الذي قُتل في مداهمة لوكر لـ «القاعدة» في الواحات غرب مصر. وقال عضو المجلس القومي لمكافحة الإرهاب والتطرف العميد خالد عكاشة لـ «الحياة»، إن جماعة الإخوان عقدت صفقة مع تنظيم «داعش» لمدها بالشباب مقابل تنفيذ عمليات إرهابية ضد قوات الجيش والشرطة والمنشآت الحيوية في مصر، عقب عزل الرئيس محمد مرسي في تموز (يوليو) من العام 2013، مشيراً إلى أن عمر الديب يعتبر أحد أخطر العناصر الإرهابية الشابة المنتمية لجماعة الإخوان. وأشار عكاشة إلى أن الديب تطور نشاطه بعد ثورة 30 حزيران (يونيو) من العام 2013، وانضم إلى تنظيم داعش مثل مئات غيره سلكوا الطريق ذاتها داخل مصر وخارجها، لافتاً إلى أن كثيراً من عناصر من جماعة الإخوان تحدثوا عن قضية الديب وتبعهم العشرات من المنصات الإعلامية والحقوقية الكثيرة حول مقتله، وادعوا تصفيات أمنية واختفاءات قسرية، موضحاً أن إصدار «داعش» الأخير أثبت كذب الإخوان ومزاعمهم ضد السلطات المصرية، وثبت ما أكدته الشرطة المصرية في بيانها بأن الديب قتل أثناء الاستعداد لتنفيذ عمليات إرهابية مع عناصر من داعش في مصر. في السياق ذاته، قال الباحث في شؤون التيارات الإسلامية ماهر فرغلي لـ «الحياة»: «أصبح من المؤكد أن العلاقات بين جماعة الإخوان وتنظيم داعش الإرهابي قائمة منذ تهديدات قيادات الجماعة للدولة المصرية بعد عزل الرئيس محمد مرسي»، مشيراً إلى أن الفيديو الذي بثه «داعش» يؤكد حقيقة وجود تنسيق على مستوى متقدم بين الجماعة والتنظيمات الإرهابية، وأن ذلك التنسيق يتم وفقاً لآلية انضمام عناصر الجماعة إلى داعش وتدريبهم في سورية وإعادتهم إلى مصر، خصوصاً سيناء، للقيام بعملياتهم ضد مؤسسات الدولة المصرية وقوات الجيش والشرطة بغرض إنهاكها. وقال مرصد الفتاوى التكفيرية التابع لدار الإفتاء المصري الأسبوع الماضي، رداً على ظهور نجل القيادي في جماعة الإخوان في شريط فيديو لتنظيم «داعش»، إن هذا الإصدار ثبت انضمامَه بالفعل إلى التنظيم الإرهابي ومبايعته للبغدادي وتكليفه بمهام تخريبية وإرهابية في سيناء والقاهرة، وهو ما تصدَّت له قوات الأمن والجيش واستطاعت قتله، وذلك على رغم التأكيد الدائم والمتواصل لجماعة الإخوان في مختلف المحافل المحلية والدولية بالتزامهم السلمية وبعدهم من العنف والتكفير، ومتاجرتهم بقضية نجل القيادي في الجماعة. ولفت المرصد إلى أن هذا الإصدار «حماة الشريعة» يُظهر انحساراً كبيراً في أعداد المقاتلين الذين تبنَّوا عمليات القتل الفردية في صفوف المجندين، ومن يسمونهم «المتعاونين من أهالي سيناء» مع أجهزة الدولة المصرية.
مشاركة :