لا يمكن الوثوق بمشاريع أمريكا حيال السلام العربي - الإسرائيلي لافتقادها الجدية طالما حزام القوة يحاصر الحكومة من خلال الكونجرس، والقوى الفاعلة من أصحاب الرأسمالية والإعلام والمتدينين المسيحيين وغيرهم، وليس بالضرورة أن نبرئ الدولة، إذ المتعارف عليه أنها جزء من الروافد لإسرائيل، ولعلنا نتذكر في الحروب بين العرب وإسرائيل كيف أُعلنت حالات استنفار قصوى في القواعد الأمريكية العسكرية تحسباً لأي تطورات في هزيمتها، ولم يكن التوجه فقط لإيقاف الجيوش العربية، وإنما كانت الغاية توجيه إنذار للسوفيات الداعمين للعرب.. أمريكا تقول إن هناك مشروعاً سوف يُقدم لحلول جديدة، وإنها لن تستخدم الفيتو للمشروع الفلسطيني المقدم لمجلس الأمن في شأن إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، لكن ما تفعله حكومة نتنياهو في توسيع الاستيطان حتى داخل القدس، لم تكن تلك الخطوات غائبة عن صانع القرار الأمريكي ومنذ أزمنة طويلة لكن هل ما يجري في المنطقة من اضطرابات باتت تخشى توسعه لتبقى حدود إسرائيل غير آمنة فيما لو توسعت قاعدة التطرف الإسلامي أو حلت حكومات قد تدخل في حروب صغيرة معها، وهو احتمال قائم، وخاصة في سورية مع أن إسرائيل لا ترى في داعش والنصرة خصمين لأنهما يقومان بالأدوار التي كانت تتمناها في تهديم وتمزيق الخرائط العربية.. القضية الفلسطينية ليست البند الأول في الاهتمامات الأمريكية، لكن بقاء دعم إسرائيل اللامحدود، والعداء مع العالم الإسلامي كله، ربما أدخلا أمريكا حالة يقظة جديدة بأن التطرف الراهن جزء منه تصاعد بسبب تمادي إسرائيل في غلق كل الأبواب أمام أي تحرك سياسي سلمي، واتجاهها لتكون دولة شبيهة بدولة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.. فالخلافات الطارئة بينها وحليفتها العظمى، لا توضع في سياق القطيعة، وإن كان نتنياهو الرجل الذي لا يعبأ بالتهديدات أو الخلافات لأنه يعرف مسبقاً أن ما يجري هو تعارض وجهات نظر لا يؤدي إلى أي خسارة سياسية أو وقف مساعدات وغيرهما، لكن هل من تبدّل في السياسة الأمريكية حتمته ما يقال عن إعادة النظر بكل توجهاتها العالمية، وأن هناك شعوراً متنامياً ناقداً لإسرائيل، والسعي لاعترافات بدولة فلسطين جاء من بعض الدول الأوروبية، والخشية من طرح اعتراف عام في الأمم المتحدة يجذب من ظلوا ممتنعين عن الاعتراف بسبب الضغط الأمريكي، والذي لم يعد يخلق عراقيل أخرى أمام تجاوزات إسرائيل، وتحت ضغوط شعبية بدأت تتعاطى مع الشأن العالمي بغير ما تفكر أو تعمل به حكوماتهم، وهو تطور لم يعد سهلاً حتى في الداخل الإسرائيلي، أو من يدعمونها في البلدان الأوروبية وأمريكا؟ فالإعلام الجديد قضى على مبررات الدول حيث إن الحدث لا يخضع فقط لتقويم الجهات الرسمية التي لا تخفي انحيازها لما تعتقد أنه يخدم مصالحها أمام انتشار المعلومة وتوفرها، وهذا ما دفع الدول التي اعترفت بالدولة الفلسطينية لأنْ تقرّ بأن هناك تطوراً جديداً حدث في فهم الشعوب لهذه القضية، ومن غير المنطقي أن تختزل في شعب إسرائيل، وعودته لأرضه كما يزعمون.. لا يوجد تفاؤل بما يتردد في دهاليز السياسة الأمريكية، غير أن التطور في المحيط العالمي ربما فرض عليها النظر بشكل آخر في تحقيق عملية السلام لكن هل توجد الإرادة التي توجه أمريكا لأنْ تستمر في هذا الخط، أم أنها جزء من فذلكات تعودنا عليها، وأن حصادها مجرد كلمات واجتماعات لا تعالج الأمور القائمة، وإنما إعطاء وعود لا تتحقق؟
مشاركة :