ذكرت مجلة "ذي إيكونوميست" البريطانية بأن المملكة السعودية تحاول كسب دعم "شيعة العراق" عن طريق زيادة استثماراتها في هذه الدولة في خطوة تهدف للحد من "توسع إيران في المنطقة". وأشارت المجلة في تقرير لها إلى أن السعودية تسعى للعودة بعلاقاتها مع العراق إلى مستواها ما قبل حرب الكويت، حين كان العديد من الخليجيين يملكون منازل فاخرة عند شط العرب وفي البصرة. وأكدت المجلة أن هذه العلاقات تستأنف في الواقع بعد ثلاثة عقود من التوقف، حيث تفتح كبرى الشركات الحكومية السعودية مكاتب لها في بغداد، بينما باتت الرياض قاب قوسين من افتتاح قنصليتها في البصرة، وذلك مع استئناف الملاحة الجوية بين البلدين بمقدار 140 رحلة شهريا. وذكّرت المجلة بأن السعودية، على لسان وزير خارجيتها عادل الجبير، وعدت الشهر الماضي، أثناء مؤتمر إعادة إعمار العراق في الكويت، بمنح بغداد قرضا بمبلغ مليار دولار، علاوة على خط ائتمان بقيمة 500 مليون دولار لضمان التصدير من وإلى العراق، بينما لم تعرض إيران شيئا من جانبها. وجاء في التقرير أن "السعودية ترغب في استعادة هوية العراق العربية لمنع إيران من استخدام خلافات بين الشيعة والسنة، حيث يحاول ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان تجاوز التوتر القائم بين الدولتين منذ عهد صدام حسين وتخليص المملكة من المنطق الطائفي، ما انعكس باستئناف العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وبغداد في عام 2015، واستئناف صدور التأشيرات بينهما، وتسليم الأموال السعودية إلى السياسيين الشيعة الأكثر نفوذا". وعلى الصعيد السياسي، سبق أن استقبل الأمير محمد بن سلمان في الرياض رجل الدين الشيعي البارز مقتدى الصدر، ووزير الداخلية العراقي قاسم الأعرجي، وهو شيعي ويعتبر حليفا لطهران. وأكد التقرير أن الاهتمام السعودي يتركز بالدرجة الأولى على البصرة كأغنى المحافظات العراقية، حيث تستثمر الرياض في مصنع البتروكيماويات، الذي توقف عن العمل منذ زمن، بغية كسر حاجة العراقيين إلى السلع الإيرانية. وتابع التقرير أن المملكة تخطط لتحويل المناطق العراقية الملاصقة لحدودها إلى مزارع عن طريق إنشاء شبكة أنابيب الري في المنطقة، بينما يأمل مسؤولون عراقيون في الاستثمارات السعودية بمجال سكك الحديد، واستئناف عمل خط الأنابيب، الذي كان يضخ النفط العراقي إلى سواحل البحر الأحمر حتى عام 1990. ونقلت المجلة عن دبلوماسي عراقي إعرابه عن ارتياحه بنهج الرياض الراهن تجاه بغداد، قائلا إن السعوديين، بعد عجزهم عن تحقيق الانتصار على العراق، يسعون اليوم إلى كسب دعمه عن طريق تكثيف الاستثمارات. وأشارت المجلة إلى أن الخطط السعودية تزعج طهران، بالرغم من أن النفوذ الإيراني لا يزال ملموسا في العراق، موضحا أن رجال الأعمال الإيرانيين قلقون من وصول لاعب جديد إلى السوق العراقية، وهي الأكبر بالنسبة لهم بعد الصين. وذكرت المجلة أن إيران أقامت منطقة التجارة الحرة في الشلامجة قرب الحدود العراقية، لتعزيز علاقاتها مع بغداد، بينما يحاول حلفاء طهران في العراق منع التقارب المتوقع مع السعودية، حيث يشير بعض الساسة، حسب التقرير، إلى أن نحو ثلاثة آلاف سعودي كانوا يخوضون حربا ضد القوات العراقية في صفوف تنظيم "داعش". وبالرغم من محاولات التصدي هذه، يحظى "الهجوم السعودي الساحر"، حسب التقرير، بدعم في العراق والبصرة خاصة، حيث يعتبر الكثيرون، وحتى بين الشيعة، الأنشطة الإيرانية نوعا من الاستعمار. وأشار التقرير إلى أن حتى بعض الميليشيات المسلحة تشكك في دعمهم لطهران في ظل المساعدات السعودية التي ترى فيها فرصة للتعامل مع الفساد في البلاد. وأضافت المجلة أن رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي يسعى على ما يبدو إلى استغلال التنافس الإقليمي، حيث وردت تقارير عن مصادرة قوات الأمن لافتات نشرتها مجموعة مؤيدة لإيران وتدين فتح القنصلية السعودية في البصرة. وذكرت المجلة أن المملكة قد تطلب من العبادي اتخاذ موقف أكثر وضوحا إزاء الموضوع، فيما من المتوقع أن رئيس الوزراء سيمتنع عن إبرام أي اتفاقات جديدة قبل الانتخابات المقرر إجراؤها في مايو المقبل. المصدر: "ذي إيكونوميست" نادر عبد الرؤوف
مشاركة :