استضاف المجلس الرمضاني لمعالي الفريق ضاحي خلفان تميم نائب رئيس الشرطة والأمن العام في دبي، أول من أمس، محاضرة ثقافية بعنوان «القوة الناعمة في الفكر النبوي»، ألقاها محمد عيسى العدوان رئيس مركز عمان والخليج للدراسات الاستراتيجية، وحضرها عدد من المفكرين والمهتمين وكبار الشخصيات. نموذج بارز وأوضح معالي الفريق ضاحي خلفان تميم، أن الإمارات جسدت، وعبر تاريخها وقادتها، النموذج الأمثل والأبرز في استخدام القوة الناعمة في سياستها مع محيطها، مؤكداً على الجاذبية التي ميزت سياسة ونهج الدولة وتأثيرها في محيطها الداخلي والخارجي، عبر نهج السياسات المعتدلة والمحبة للآخر والمتواصلة معه، وانطلاقاً من ذلك، أصبحت الدولة مثلاً وقدوة يريد الجميع الاقتداء بها في كل المجالات. وتفصيلاً، تطرق عدوان إلى رقي الفكر الذي اعتمده الرسول الكريم في التعامل مع المجتمع بكل أطيافه وتنوعه، والقوة الناعمة، متمثلاً في التعايش والتحضر اللذين مثلا دستور المدينة المنورة، عبر تنظيم العلاقة بين جميع الطوائف والجماعات فيها، مؤكداً على أن البشرية لم تشهد عبر تاريخها أكثر صفاء وتسامحاً مما مورس في ظل الحضارة العربية الإسلامية. فكر راقٍ وتطرق عدوان في محاضرته، إلى جانب من الفكر النبوي، ومدى رقي هذا الفكر الذي استخدمه نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، في التعامل مع المجتمع، لتحويله عبر القوة الناعمة إلى دولة تعتمد على التحضر والقيادة والإنتاج والإنجاز، لافتاً إلى أنه إذا أردنا أن نتخاطب مع الآخر في أي مجتمع، فيجب علينا أولاً أن نعرف حضارتنا، وسلوك مجتمعنا، فضلاً عن فكر القيادة، وذلك ضمن ثوابت الشريعة التي نهجها الرسول الكريم. وأشار إلى فكرة «إعادة تأهيل الأنسنة» عبر منظومة القوة الناعمة، اعتماداً على الموروث التوثيقي، حيث انتهت منظمة الأمم المتحدة من إعداد ونشر مشروع إعادة الأنسنة، والتعامل المعتمد على الآيزو 26000، والذي اشتغل عليه أكبر خبراء العالم في العديد من المجالات، سواء كانت عسكرية، أو اجتماعية، أو ثقافية، نفسية، سياسية، فضلاً عن دراسة المستشرفين للمستقبل، عبر بوابة الأنسنة للعالم، والذي كان شعاره «المسؤولية الاجتماعية للأمم والشعوب والأفراد». وقال عدوان إن من يطلع على الآيزو 26000 الخاص بالمسؤولية الاجتماعية، الذي أصدرته الأمم المتحدة، ومقارنة ذلك بدستور المدينة المنورة أو صحيفة المدينة، سيجد العمق الإنساني الذي انتهجه الرسول في تعاملاته مع الآخر، مشيراً إلى أن هذا الدستور يهدف بالأساس إلى تنظيم العلاقة بين جميع طوائف وجماعات المدينة، وعلى رأسها المهاجرون والأنصار وأهل الكتاب وغيرهم، ويتصدى بمقتضاه المجتمع عبر إحلال القوة الناعمة في المجتمع، لأي عدوان خارجي على المدينة، ضمن منظومة المواطنة. دولة مدنية وأفاد بأنه، بإبرام هذا الدستور وإقرار جميع الفصائل بما فيه، أصبحت المدينة المنورة أول دولة مدنية تحت إمرة الرسول صلى الله عليه وسلَّم، وصارت المرجعية العليا للتشريع الديني، هي للشريعة الإسلامية مع حرية الاعتقاد الفكري، وأصبحت جميع الحقوق الإنسانية مكفولة، كحق حرية الاعتقاد وممارسة الشعائر، والمساواة والعدلة الاجتماعية. حرية العيش واستشهد المحاضر بالمستشرق الروماني جيورجيو، الذي قال: حوى هذا الدستور اثنين وخمسين بنداً، كلها من رأي رسول الله، خمسة وعشرون منها خاصة بأمور المسلمين، وسبعة وعشرون مرتبطة بالعلاقة بين المسلمين وأصحاب الأديان الأخرى، ولا سيما اليهود وعبدة الأوثان، وقد دُون هذا الدستور بشكل يسمح لأصحاب الأديان الأخرى بالعيش مع المسلمين بحرية، ولهم أن يقيموا شعائرهم حسب رغبتهم، ومن غير أن يتضايق أحد الفرقاء، ووضع هذا الدستور في السنة الأولى للهجرة، أي عام 623 م، ولكن في حال مهاجمة المدينة من قبل عدو عليهم، أن يتحدوا لمجابهته وطرده. صفاء وتسامح واختتم المحاضر بقوله، إنه لم تشهد البشرية على مدى ما وثق في تاريخها، أكثر صفاء وتسامحاً مما مورس في ظل الحضارة العربية الإسلامية، وهذا التسامح الذي كان ولا يزال، صبغة في عقل الإنسان العربي المسلم، متطرقاً إلى مقولة توماس أرنولد في كتابه الشهير الدين الإسلامي عام 1928، إن أحد المآخذ على المسلمين في تعاملهم مع الآخر، هو فرطهم التسامحي، مستشهداً بحادثة القائد الإسلامي صلاح الدين الذي عفا عن المتبقين من القادة في بيت المقدس، وقصة فتح سمرقند، وأمر الخليفة عمر بن عبد العزيز بخروج الجيش المسلم منها.
مشاركة :