يعتبر محمود درويش واحد من أهم وأشهر الشعراء الفلسطنيين والعرب، والذي تحل ذكرى ميلاده في 13 مارس، حيث ولد سنة 1941 في قرية البروة الفلسطينية، التي دمّرها الإسرائيليون بعد ذلك بستة أعوام. وسُجن عدة مرّات، وتعرّض لمضايقات السلطات الإسرائيلية أثناء عمله محرّرًا ومترجمًا في صحيفة الحزب الشيوعي الإسرائيلي. وسرعان ما التحق بصفوف منظمة التحرير الفلسطينية، وبات شاعر فلسطين الأول، وقد لعب دورًا سياسيًا هامًّا في منظمة التحرير الفلسطينية، وكان شديد القرب من ياسر عرفات، ولكنّه في نفس الوقت حافظ على صلته بالمجتمع الإسرائيلي والثقافة الإسرائيلية، فلقد عرف ثقافتهم وتذوق فنونهم وآدابهم، تنقل في عواصم عربية مثل القاهرة وتونس، قبل أن يستقرّ في باريس، وزار موسكو. كانت لدى درويش رغبة منذ طفولته أن يصبح رساما مشهورا، لكن ذلك كان يتطلب مالا كافيا لاتاحة الفرصة، ولقد عبر عن ذلك درويش قائلا: "آلمني ذلك كثيرًا، فبكيت وتوقفت عن الرسم، وعندها حاولت التعويض عن الرسم بكتابة الشعر. كتابة الشعر لا تتطلب نفقات مالية". وبعدها آمن بالشعر، وبقدرته على إخراج هواجسه وأفكاره وخيالاته وإيمانه الثابت بقضيته، ومثلما راودته فكرة الرسم أيضا راودته فكرة كتابة الرواية لكن الشعر طغى على درويش وملك حياته. ودرويش شاعر صادق مع نفسه ومع قلمه، لم يتوان قط عن الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطينيين في أرضه، ولم يأن من ثقل حمل تلك القضية، التي جعلته يدخل في صراعات مع أصدقائه المثقفين، ولقد واجه درويش من قبل اتهاما بالتطبيع مع العدو الإسرئيلي، لكن المطالع لكتابات درويش وإن كانت تخاطب الجانب الإنساني لدى العدو فإنه يعرف أنه في المقام الأول يطالب بالحق الفلسطيني المشروع والثابت، أصدر من قبل مجلة الكرمل تحت إشراف منظمة التحرير الفلسطينية، وضمت أعدادها تنويرا ثقافيا، وكانت مثالا لمقاومة الفكر والأدب. وقصائده تتضمن رموزا حديثة، كانت قصيدته تلعب دائما على انفتاح الدلالة، ولقد عالج قضايا المقاومة والوطنية والقومية العربية، لكنه في مرحلته الأخيرة افتح شعره على مخاطبة الإنسان ليشعره بالمعاناة التي يعيشها الإنسان المسلوب، فالذات الدرويشية التي تمخضت عن المعاناة والألم قد حولت هذه المعاناة إلى غنائية إنسانية، وامتدت إلى أفق إنساني رحب، شكلت مجرى الإبداع الشعري في الادب العربي المعاصر. والمتلقي يتعرف سريعا على اهتمام الشاعر بالآخر ويعتبره مرآة للذات تشكف بواطنه ودواخله، يدخل درويش في جدل مع الاخر ليصل في النهاية إلى حكمة من وراء عبثية الصراعات التي تستهدف الدم والدمار بدلا من المعايشة وجلب النماء والخير، في إحدى القصائد يتكلم درويش عن عدوين يواجهان مصيرا واحدا وكان يفترض بهما أن يتعاونا. ثم يناقش تلك القضية الوجودية التي شغلت بال كل الشعراء والأدباء، قضية الموت، والموت هو الغريب والآخر والمختلف عن كينونته، وفي قصائد درويش اعتبر الموت عرسا للشهيد لأن الموت في تلك الحالة هو مدخل استراداد الحق المسلوب، باب الحفاظ على الهوية والأرض والشعب ومستقبل الأجيال، ثم يتحول الموت لكائن يداعب خيال درويش، كائن كامل التكوين منزوع الإنسانية، لا يحزن ولا يتناسل ولا يحب ولا يحيا، إنه كائن قاتل، فكيف يقبض على كنه وطبيعة الموت؟ من الجوانبِ الشعرية وأصالتها في شعر درويش، أنهُ يربط شعرهُ بالتجارب الإنسانية العميقة، فتعبيرهُ عن حالة الموت تأتى انسجامًا مع تجربةِ مرضهِ، بحيث تجسدت موضوعة الموت في قصائدهِ خصوصًا الجدارية، كتأبين قَبلي ومغامرة رمزية في عالم الموت والموتى. وكان ديوانه الأخير "لا أريد لهذي القصيدة أن تنتهي" رمزا مقاوما لقضية الموت التي شغلت عمق نتاجه الشعري، فدرويش يصادف ذلك العنوان الذي يحمل إعلانا لحياة أبدية ورفضا للموت الذي يعني الفناء والانتهاء، فقصيدته باقية بغنائها الإنساني الرحب متخذة بقائها من إرادته المسبقة.
مشاركة :