لا يزال حاضرا رغم الغياب.. وتبقى ذكرى ميلاده ( 13 مارس/ آذار) شاهدا على مولد صوت المقاومة والكلمة المقاتلة التي استطاع بها على مدار أكثر من 30 عاما أن يهز ضمير العالم ويزرع الخوف في قلوب مجتمع الاحتلال.. قدم بعدا آخر للنضال.. شق قلب عدوه بقلمه.. وخط بكلماته خريطة الكفاح العربي الفلسطيني.. أعطى بعدا ثقافيا للقضية الفلسطينية.. وبأشعاره وكلماته والبعد الثقافي الذي منحه للقضية، أصبح الشأن الفلسطيني حديثا للعامة والبسطاء.. وجسد بشعره القضايا القومية والعربية.. كان واحدا من أهم شعراء العصر الحديث، مليء بالخيال والخبرة الحياتية، وهو ما أعطى شعره الصدق والعمق الشديدين وجعله مختلفا عن شعراء المنطقة.. العاشق لتراب الوطن المحتل. عيونك شوكةٌ في القلب توجعني… وأعبدها وأحميها من الريح وأغمدها وراء الليل والأوجاع… أغمدها فيشعل جرحها ضوء المصابيح ويجعل حاضري غدها أعزّ عليّ من روحي وأنسى، بعد حينٍ، في لقاء العين بالعين بأنّا مرة كنّا، وراء الباب، إثنين «درويش»..الشاعر الذي حمل على كتفيه حملا وطنيا وقوميا ثقيلا، ولم يتراجع عنه لحظة اذ رفض كل عروض السلطة والمناصب التي حاولت استدراجه ليتبوأ موقعا في السلطة الفلسطينية لأنه يعرف أن قيمة الشاعر أعلى بكثير من قيمة السياسي.. هو تجربة شعرية كبيرة، تمثل أشعاره قمة النضال والتحدي والصمود، ورغم أن هناك شعراء كثر يكتبون عن قضايا كبرى، إلا أنهم لم ينجزوا ما أنجزه درويش الذي فقدته القضية الفلسطينية، كان بحق رمزا من رموز نضالها، والقضية الفلسطينية ما زالت في حاجة اليه. «درويش» لا يعرف من متع الحياة سوى القصيدة.. وهو أكثر عطاء، ولا يقل نثره عن شعره عظمة وابداعا .. وهو صاحب رؤية حقيقية وعالية لقضايا بلاده والأمة العربية، وقد استطاع حين غمرت موجة الحداثة الشعر العربي أن يختطف هذه اللعبة وأن يوظفها لادائه الخاص مما أكسب شعره عمقا أبعد، ووضوحا لم يملكة شعراء الحداثة. لن أساوم وإلى آخر نبض في عروقي سأقاوم. بدون الذاكرة لا توجد علاقة حقيقية مع المكان. إن كان لا بد من حلم، فليكن مثلنا وبسيطاً . هَلْ فيْ وُسعيْ أن أختارَ أحلاميْ لئلّا أحلمَ بما لا يتحقق ! . فلنذهب إلى الخطأ جميعاً لانه فاتحة الصواب فارس يغمد في صدر أخيه خنجرًا بإسم الوطن ويصلي لينال المغفرة! ونحنُ لم نحلم بأكثر من حياةٍ كالحياة أو نموت على طريقتنا. سلامٌ لارضٍ خُلِقَت لاجل السلام وما رأت يوماً سلاما . ما دمت أحلم فأنا حي لأن الموتى لا يحلمون. كل من يريد أن يتعرف جيدا على الشاعر الكبير محمود درويش الذي خدم قضية بلاده أكثر من رجال السياسة، أن يقرأ أشعاره، عند ذلك فقط سيعرف من هو دريش الذي لا تكفي الكلمات مهما كانت كثيرة وكبيرة لاعطائه حقه كشاعر كبير.. احد المناضلين ضد الاحتلال، فقد كان صوتا للكفاح الفلسطيني، ومعبرا عن المجاهدين في فلسطين.. كلماته امضى من السيف، وأقوى من جنود الاحتلال وأنتَ تُعِدُّ فطورك، فكِّر بغيركَ لاتنسَ قُوتَ الحمامْ وأَنتَ تخوضُ حروبكَ، فكِّر بغيركَ لا تنسَ مَنْ يطلبونَ السلامْ وأَنتَ تُسدِّدُ فاتورةَ الماءِ، فكِّر بغيركَ مَنْ يرضعون الغمامْ وأَنتَ تعودُ إلى البيتِ، بيتكَ، فكِّر بغيركَ لا تنس شعب الخيامْ لقد استطاع عبر 30 عاما الصمود في وجه القهر الصهيوني لبلاده، والاستعمار الأمريكي للمنطقة، بأشعاره التي كانت تؤكد معنى الصمود والمجابهة. مجابهة المحتل والصمود أمام غطرسته.. وهو بحق ـ كما يقول الشعراء المعاصرين ـ متنبي هذا العصر .. كان الشعر هو وطن محمود درويش الحقيقي، ذلك أن الوطن قد بات شعره منذ نعومة أظفاره.. وبشعر محمود درويش ترتفع قيمة الوطن، أن يبقى الوطن حيا الى ما لا نهاية. بلادي القريبة مني.. كسجني! لماذا أغنّي مكاناً، ووجهي مكانْ؟ لماذا أغنّي لطفل ينامُ على الزعفران؟ وفي طرف النوم خنجر وأُمي تناولني صدرها وتموتُ أمامي بنسمةِ عنبر؟ وشعر محمود درويش هو التطور الأمثل للشعر العربي القديم، تجد فيه الملك الضليل، والنابغة، وجرير، وابن الفرزدق، وابن أبي ربيعة، وبشار بن برد، وأبا نواس، والمتنبي، والمعري، والبحتري، وابن الملوح، وابن الرومي، والحمداني، وابن زيدون، وشوقي، والرصافي، والجواهري، وعلي محمود طه، ومحمود حسن اسماعيل.. تجد كل هؤلاء وغيرهم، لكن في صورة جديدة متطورة ومزودة بالثقافة الحديثة منصهرين جميعاً في بوتقة تغلي بنار المحنة اسمها محمود درويش. سجل! أنا عربي ورقمُ بطاقتي خمسونَ ألفْ وأطفالي ثمانيةٌ وتاسعهُم.. سيأتي بعدَ صيفْ! فهلْ تغضبْ؟ سجِّلْ! أنا عربي وأعملُ مع رفاقِ الكدحِ في محجرْ وأطفالي ثمانيةٌ أسلُّ لهمْ رغيفَ الخبزِ، والأثوابَ والدفترْ هو شاعر واضح الأصول والأنساب.. في شعره هويته العربية الاصيلة، تتعرف فيه على ابائه واجداده واعمامه واخواله.. وكان «درويش»على رأس هذه القلة القليلة من فرسان الشعر العربي الحديث الذين نجوا من الرطانات الأجنبية، فرغم استفادته من الشعر العالمي ـ والفرنسي خاصة ـ يظل شعره نفساً عربياً خالصاً، إن عروبية شعره لا تقبل جسماً غريباً.
مشاركة :