الأدمغة البالغة لا تنتج خلايا «ذاكرة» جديدة

  • 3/14/2018
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

يشير بحث جديد أجرته جامعة كاليفورنيا بسان فرانسيسكو إلى أن الحصين البشري، تلك المنطقة من الدماغ التي تؤدي دوراً مهماً في الذاكرة والتعلّم، يتوقف عن إنتاج خلايا جديدة في الطفولة. من المرجح أن يؤجج هذا الاكتشاف، الذي نُشر في مجلة «الطبيعة»، نيران الجدل القائم حول قدرة الدماغ البشري على شفاء ذاته من خلال «تكوين النسيج العصبي» أو ولادة خلايا دماغ جديدة. «اكتشفنا أن عملية تكوين النسيج العصبي، إذا حدثت في حصين دماغ إنسان بالغ، تُعتبر ظاهرة نادرة، ما يثير أسئلة عدة عن مساهمة هذه العملية في إصلاح الدماغ أو وظائفه الطبيعية»، يوضح أرتورو ألفاريز-بويلا، بروفسور متخصص في جراحة الأعصاب يعمل في جامعة كاليفورنيا بسان فرانسيسكو ويرأس المختبر الذي أُجريت فيه الدراسة. تتحدى هذه الدراسة مجموعة متنامية من أدلة تشير إلى أن من الممكن معالجة الاضطرابات التي تلحق الضرر بالدماغ، كالألزهايمر، بتعزيز عملية تكوين النسيج العصبي بغية مساعدة الدماغ على استبدال الخلايا العصبية التي يُتلفها المرض. لكن هؤلاء الباحثين الشجعان يشيرون بدلاً من ذلك إلى أسئلة جديدة أثارتها اكتشافاتهم، مثل: كيف يتكيّف دماغ الإنسان ويتعلّم إذا كان عاجزاً عن إنتاج خلايا عصبية جديدة؟ قد تمهّد الأجوبة عن هذا السؤال الدرب إزاء وسائل أفضل للتوصل إلى علاجات جديدة لأمراض الدماغ، حسبما يقترحون. شكوك على مدى السنوات الثلاثين الماضية، اكتشف البروفسور ألفاريز-بويلا وفريقه أدلة متزايدة على أن أدمغة الطيور المزقزقة والقوارض تستطيع إنتاج خلايا عصبية جديدة طوال حياتها. لكنهم بدأوا أخيراً يشككون في ما إذا كان هذا الأمر ينطبق أيضاً على دماغ الإنسان. على سبيل المثال، أثار فريق جامعة كاليفورنيا بسان فرانسيسكو الشكوك حول ما إذا كان تكوين النسيج العصبي في البصلة الشمية (جزء قديم من الدماغ يؤدي دوراً مهماً في الشم) يستمر في مرحلة البلوغ في حالة الإنسان كما في حالة القوارض. في الدراسة الجديدة، حلّل البروفسور ألفاريز-بويلا وزملاؤه عينات من حصين 59 إنساناً جُمعت من الصين، وإسبانيا، والولايات المتحدة. حصل الباحثون على بعض عينات الأنسجة، التي امتدت بين ما قبل الولادة ومرحلة البلوغ، بعد الوفاة، في حين أُخذت أخرى خلال عمليات جراحية أُجريت على مرضى يعانون الصرع. حلّل الفريق بدقة هذه العينات، باحثاً عن تبدلات في الخلايا العصبية الجديدة والخلايا الجذعية على مدى حياة الإنسان. ركّز الباحثون على منطقة تُدعى التلفيف المسنن، وهي «منطقة قشرية بسيطة» تشكّل جزءاً لا يتجزأ من الحصين وتؤدي دوراً مهماً في تكوّن الذكريات. عثر الباحثون على أدلة وافرة على عملية تكوين النسيج العصبية في مرحلة ما قبل الولادة وبعيدها. فقد بلغ معدل الخلايا العصبية الجديدة في كل مليمتر مربع من نسيج التلفيف المسنن في حالة الطفل الحديث الولادة 1618، وفق حساباتهم. لكن هذه العملية تراجعت بقوة بعد الولادة: انخفض عدد الخلايا الجديدة في كل مليمتر مربع بنحو خمسة أضعاف مع بلوغ الطفل عامه الأول. كشفت الأدلة أيضاً أن التراجع تواصل طوال مرحلة الطفولة: لاحظ الباحثون انخفاضاً بنحو 23 ضعفاً بين العامين الأول والسابع، وخمسة أضعاف أخرى مع بلوغ الإنسان عامه الثالث عشر. في هذه المرحلة من المراهقة الباكرة، تبين أن تركيز الخلايا العصبية الجديدة في كل مليمتر مربع من نسيج الدماغ تدنى إلى 2.4 فقط. بالإضافة إلى ذلك، لم يتوصّل الباحثون إلى أي دليل على استمرار عملية تكوين النسيج العصبي في أنسجة تلفيف البالغين المسنن، سواء في العينات السبع عشرة التي حصلوا عليها بعد الوفاة أو في العينات التي أُخذت من 12 مريضاً بالغاً يعانون الصرع. تذكر مرسيدس باريديس، بروفسورة مساعدة متخصصة في علم الأعصاب في جامعة كاليفورنيا بسان فرانسيسكو شاركت في الإشراف على تحليل الأنسجة: «في حالة الأولاد الصغار، رأينا عدداً كبيراً من الخلايا العصيبة الجديدة التي واصلت التشكّل والاندماج بالتلفيف المسنن. لكن عملية تكوين النسيج العصبي اختفت بالكامل في مرحلة المراهقة الباكرة». تكوين النسيج العصبي ومرونة الحصين عندما حلّل الباحثون الخلايا الجذعية العصبية، التي تشكّل خلايا سلفية تولد منها الخلايا العصبية الجديدة، اكتشف الباحثون أنها هي أيضاً تكثر في الدماغ قبيل الولادة، إلا أنها تختفي بالكامل تقريباً في مرحلة الطفولة الباكرة. لاحظوا أيضاً أنه لا يتوافر دليل على التراكم الباكر للخلايا الجذعية العصبية في المنطقة تحت الحبيبية في التلفيف المسنن البشري. يتناقض هذا الأمر مع الفئران، التي تختبر تراكمات باكرة مماثلة. ويشير الفريق إلى أن ذلك يعني أن هذا التراكم قد يشكّل خطوة ضرورية كي تستمر عملية تكوين النسيج العصبي في مرحلة البلوغ. في الختام، يقرّ الباحثون أنهم لا يستطيعون، رغم بحثهم المعمّق والموسّع، الجزم بأن حصين الإنسان البالغ لا ينتج مطلقاً الخلايا العصبية الجديدة. لكن الدكتورة شوان سوريلز، باحثة بارزة في فريق البروفسور ألفاريز بويلا تشدد: «أعتقد أن علينا التريث قليلاً والتساؤل عن معنى هذا كله».

مشاركة :