كشف مراقبون في واشنطن أن "الأربعاء الأحمر" لا يهدد وحده النظام الإيراني، وإنما تدق ميزانية الدولة الفارسية للعام الجديد آخر مسمار في نعشه، فخلال أقل من أسبوعين، وتحديدًا في الحادي والعشرين من مارس الجاري، تحل ذكرى رأس السنة الإيرانية، المعروفة بـ"النيروز"، ويبدأ في المقابل سريان الموازنة المالية الجديدة، التي صادق عليها البرلمان في فبراير الماضي. وبحسب ما نقلته صحيفة "واشنطن بوست" عن مراقبين اقتصاديين، لا يأتي توقيت المصادقة على الميزانية الجديدة في موعد مناسب للرئيس حسن روحاني، الذي اضطر لتفادي "مسلخة" البرلمان، وإلغاء جانب كبير من الإصلاحات الاقتصادية التي كان يعتزم فرضها، ففي ديسمبر 2017، اندلعت احتجاجات في المدن الإيرانية اعتراضًا على مشروع الموازنة العامة، التي عرفت الجماهير من خلالها أن أسعار الوقود لن تزيد فقط، وإنما سيتضاءل في المقابل عدد المستحقين للمعاشات الاجتماعية. أمام ذلك اضطر المرشد العام علي خامنئي للتدخل، وطالب البرلمان روحاني بتقديم مشروع جديد للميزانية. وأمام غضب الشارع الإيراني الثائر، اضطر روحاني إلى عرض ميزانية ستكلف بلاده الكثير، فأسعار الوقود لن تتغير، وستظل برامج التضامن الاجتماعي في موقعها. ويعتمد اقتراح الميزانية الذي جرى تمريره من خلال البرلمان على افتراضية أن يصبح سعر النفط في السوق العالمية بـ55 دولارًا للبرميل، فإذا صحَّت التقديرات، فسينعكس ذلك إيجابًا على صندوق التنمية الإيراني. كما تنص الميزانية الجديدة على أن سعر صرف الريال الإيراني مقابل الدولار سيصبح 33 ألف دينار مقابل الدولار الواحد، بدلًا من 48 ريال مقابل الدولار كما هو حاليًا. وتضع الميزانية الإيرانية الجديدة نصب عينيها ارتفاع نسبة التضخم، التي وصلت إلى 10%، وتحاول يائسة وضع استراتيجية مالية يمكنها مجابهة تهديد العقوبات الأمريكية الجديدة. وإلى جانب الاعتماد على الدخل من النفط، تعتزم الحكومة الإيرانية فرض ضرائب جديدة بنسبة 11%، أملًا في الحصول على 55 مليار دولار في العام الجديد، إلا أن الواقع يؤكد استحالة تحقيق الهدف، لاسيما أن الطبقة الاجتماعية المتوسطة هى التي ستتحمل وحدها هذا العبء، بينما ستنجح الطبقة الراقية من رجال الأعمال وأصحاب الشركات الكبرى في الهروب من جبايتها بطريقة أو بأخرى، وهو الأمر الذي سيؤدي إلى تفاقم الشارع الإيراني أكثر مما بات عليه الحال، وربما يزعزع استقرار النظام والبلاد في آن واحد، بحسب المراقبين. أما الطريقة الأخرى التي يمكن من خلالها تحقيق داخل موازٍ لدخل النفط، فهى بيع سندات مالية حكومية للجماهير، إلا أن ذلك يرتبط بنسبة شعبية، وثقة الجماهير في الحكومة الإيرانية، فروحاني يحاول التوفيق بحذر بين مطالب المحافظين والإصلاحيين الداعمين له، وفي المقابل حصل الحرس الثوري على 2.5 مليار دولار من صندوق التنمية، وهى نسبة تزيد بـ 40% عن تلك التي حصل عليها العام الماضي، وأمام ذلك تكمن المعضلة، فرغم التوقعات بزيادة معدل النمو العام المقبل بـ 6%، إلا أن تشتت توزيع الدخل بين طهران وبقية المحافظات الأخرى، وبين الفقراء والأثرياء، ما زالت العقبة الكؤود التي تحرض على تكرار حالة العصيان المدني في إيران. ولا يجد النظام الإيراني وسيلة لإقناع الجماهير سوى الكذب، فوزير الخارجية جواد ظريف خرج على الناس معلنًا التزام الحكومة باستعادة كل دولار جرى إنفاقه في سوريا، إلا أنه لا يعلم أن ما يقوله كان ردًّا على المظاهرات الثائرة، التي طالبت بوقف تمويل الحرب الدائرة في سوريا لصالح نظام الأسد، وتجميد سيل المعونات التي يحصل عليها حزب الله في جنوب لبنان، وقطع إمداد الحوثيين بالمال والعتاد في اليمن. وخلص المراقبون إلى أن ظريف والجماهير الإيرانية المخاطبة يعلمون جيدًا أن تلك الوعود مجرد "تسكين للآلام"؛ لتفادي ما قد تتمخض عنه الاحتجاجات حال تجددها، لاسيما أن نظام الأسد منح الروس "حبة كرز" اتفاقيات إعادة الإعمار، وهى تطوير حقول النفط، وحتى إذا جرى تفعيل اتفاقات تطوير شبكات الاتصال الخلوية، التي حصلت عليها إيران بالفعل، فجني ثمارها يتطلب وقتًا طويلًا.
مشاركة :