منذ إطلاقها نهاية فبراير/شباط 2018، نجحت مبادرة «صنّاع الأمل» في اجتذاب عدد كبير من المشاركات من شباب وشابات من مختلف أنحاء العالم العربي يتطلعون إلى الإسهام في نشر الأمل، وصنع تغيير إيجابي. حتى اليوم، تلقت مبادرة «صنّاع الأمل» آلاف قصص الأمل من أفراد ومجموعات، لديهم مشاريع ومبادرات، يسعون من خلالها إلى مساعدة الناس، وتحسين نوعية الحياة أو الإسهام في حل بعض التحديات، التي تواجهها مجتمعاتهم. سعياً لمشاركة هذه القصص، كي تكون مصدر إلهام للآخرين، الذين يتطلعون إلى تغيير مجتمعاتهم نحو الأفضل، نستعرض بعض قصص «صنّاع الأمل»، التي تفتح نافذة أمل وتفاؤل وإيجابية في عالمنا العربي من المحيط إلى الخليج. القصة الأولى مبادرة تتبنى مفهوماً مبتكراً للتطوع ليصبح أسلوب حياة لا يوجد شكل واحد للعطاء، وأي عمل إنساني مهما بدا بسيطاً أو عادياً، قد يترك أثراً عميقاً، يكفي أن تزرع ابتسامة في وجه أحدهم حتى تصنع أملاً؛ هذه هي الفكرة التي انطلقت منها مبادرة «نشامى الإمارات» فريقاً تطوعياً شبابياً في دولة الإمارات يسعى إلى إرساء ثقافة العمل التطوعي المستدام؛ عبر تصميم أنشطة وحملات وبرامج تطوعية تستهدف فئات مختلفة في المجتمع، كالمرضى والعمال والمحتاجين وكل من يستحق أن ندخل الفرحة في قلوبهم أو نعبر عن تقديرنا لهم ولما يقومون به.تَشكَّل فريق «نشامى الإمارات» التطوعي عام 2009 على يد عيسى البدواوي؛ بعدما شارك في مناسبة تطوعية لهيئة تنمية المجتمع في دبي، فلمعت في رأسه فكرة بشأن تبني مشروع تطوعي، راغباً في تغيير المفهوم التقليدي للتطوع؛ بحيث يصبح التطوع بمختلف صوره أسلوب حياة، وأن تكون المبادرات التطوعية متنوعة ومختلفة ومتواصلة ومصممة؛ بحيث تخاطب فئات محددة، على أن تشمل الجهود التطوعية كل مناطق الدولة. فتواصل عيسى مع عدد من أصدقائه بهذا الخصوص، الذين تحمسوا للفكرة، مشكلين نواة فريق «نشامى الإمارات»، الذي سرعان ما انضم إليه المزيد من المتطوعين لاحقاً.يعمل فريق «نشامى الإمارات» التطوعي، عبر إطلاق مبادرات وحملات مجتمعية متنوعة، تسعى في المقام الأول والأخير إلى جعل العطاء قيمة راسخة، وممارسة يومية؛ عبر أنشطة بسيطة؛ لكن تأثيرها بالغ المدى، على نحو يرسخ قيم التماسك والتكافل والتعاضد المجتمعي.خلال السنوات الماضية، نجح «نشامى الإمارات» في تنفيذ الكثير من المبادرات ذات الأثر الإنساني اللافت، كما توسع الفريق مجتذباً المئات من المتطوعين، ضمن مبادرات وحملات تطوعية مبتكرة تُنفذ بانتظام. من بين المبادرات التي يقوم بها الفريق مبادرة «من القلب»، التي تقام بما لا يقل عن ثلاث مرات سنوياً، يزور خلالها عدد من أعضاء الفريق، المرضى في المستشفيات؛ للوقوف معهم ومواساتهم، مقدمين لهم الهدايا الرمزية، التي تزرع البهجة في قلوبهم. وهناك مبادرة «بأعينهم» السنوية، التي تستهدف العمال في مختلف القطاعات، فخصّصت عام 2014 لعمال النظافة، وعام 2015 لعمال البناء، وعام 2016 للعاملين في الزراعة؛ حيث يقوم المتطوعون في كل مرة بمشاركة العمال عملهم في الميدان، مرتدين خوذات البناء مثلاً، أو مشاركين عمال النظافة مهامهم كي يقاسموهم التعب والعناء.من المبادرات الأخرى، التي تبناها «نشامى الإمارات»، «شتاؤهم دافئ»، التي أطلقت عام 2016؛ حيث يوزع الفريق في فصل الشتاء، الملابس الشتوية على العمال، ويقومون بتجهيز وجبات إفطار وتناولها معهم في الصباح.ومن المبادرات الأخرى، التي اعتمدها الفريق في أجندة البرنامج التطوعي المستدام «العيون الساهرة»، التي أطلقت عام 2017، وتستهدف الموظفين في الجهات الحكومية في الدولة، العاملين بنظام الورديات، والساهرين على راحة البلد وسلامته وأمنه، كالموظفين العاملين في مراكز الشرطة والجمارك والدفاع المدني والإسعاف، كي يعبروا لهم عن شكرهم وامتنانهم للجهود التي يقومون بها في عملهم. القصة الثانية تقديم وجبات للتلاميذ مقابل التزامهم بالحصص الدراسية أن تطعم جائعاً أمر محمود؛ لكن أن تطعمه وتعلّمه فهذا هو الأمل الحقيقي وهذا هو الطريق نحو بناء المستقبل؛ شعار تبنته منظمة «مجدِّدون» التطوعية الشبابية في العاصمة السودانية الخرطوم، حين أطلقت قبل نحو عامين مبادرة إنسانية وتعليمية توجهت في الأساس إلى شريحة مجتمعية، هي الأكثر إلحاحاً، الأطفال المشردين في شوارع مدينة الخرطوم، ممن تسربوا من مدارسهم أو تركوا عائلاتهم أو تحولوا إلى أيدٍ عاملة رخيصة تتعرض لكل أنواع الاستغلال، واجدين في الأرصفة والطرقات ملاذاً شبه دائم لهم، تغزو ملامحهم علامات البؤس والفاقة واليأس وقلة الحيلة، دون أن يبدو في أفقهم القريب ما يشير إلى واقع مختلف.ولأن العلم الطريق الأمثل لتعزيز الأمل بحياة أفضل وتأهيل الأجيال الفتية للغد، أطلق شباب منظمة «مجددون» مبادرة لتعليم الأطفال المشردين؛ عبر توفير دروس تعليمية لهم بمشاركة مجموعة من المعلمين المتطوعين، الذين يقدمون الحصص الدراسية في الهواء الطلق.وُلدت الفكرة من حاجة المشردين في الأساس للطعام؛ إذ كان عدد من الأطفال الذين يجوبون شوارع المدينة يطرقون، من وقت لآخر، أبواب جمعية «مجددون» في المدينة؛ طلباً ل«ساندويشة» أو لقمة تسدّ جوعهم، فما كان من القائمين على المنظمة إلا أن قاموا بنوع من «المقايضة» الإنسانية، فعرضوا على الأطفال الطعام مقابل تلقيهم التعليم، ضمن برنامج تعليمي خاص.وسرعان ما نجح برنامج «الإفطار مقابل التعليم»، الذي يقوم على توفير وجبات مجانية يومياً، في تحفيز وتشجيع الأطفال المشردين للانتظام في حصص دراسية مصممة في الأساس من برنامج «محو الأمية» المعتمد رسمياً. فخلال شهور، انضم عشرات المشردين إلى الحصص الدراسية، التي تعقدها «مجددون» في بقعة مكشوفة بالقرب من نهر النيل؛ حيث تم اختيار هذا الموقع تحديداً؛ كونه المكان الذي يتجمع فيه عدد كبير من الأطفال والمراهقين المشردين، كما أن الموقع يتسم بقربه من مخيم أسسته «مجددون» - ضمن تطوير المشروع - كي يقطن فيه المشردون بصورة دائمة؛ لضمان تجنيبهم خطر المبيت في الشارع، ولإبعادهم عن عالم الجريمة، الذي يتربص بهم.وتتوزع الدراسة في الصفوف المفتوحة على ثلاثة مستويات، تبدأ بالمرحلة الأولى من محو الأمية من خلال تدريس مبادئ القراءة والكتابة، وتنتهي بتدريس العلوم والرياضيات واللغة الإنجليزية.ولضمان توفير رعاية شاملة للمشردين، خاصة أولئك الذين يظهرون تفوقاً والتزاماً ببرنامجهم الدراسي، يتضمن مشروع «مجددون» لتعليم وتأهيل أطفال الشوارع برنامج «تو فور وان» (أي: «اثنان من أجل واحد»)؛ بحيث يقوم فيه اثنان من الناشطين أو المتطوعين في «مجددون» بتوفير رعاية تامة لأحد الأطفال التلاميذ، تشمل متابعته ومراجعة الدروس معه وممارسة أنشطة ترفيهية وثقافية معه، مثل اصطحابه إلى الملاهي أو السينما. إلى جانب التأهيل العلمي الأساسي؛ حيث يشمل المشروع مساعدة الطلبة المتميزين والطموحين على مواصلة تعليمهم الأكاديمي، وقد غرسوا لديهم الإيمان بأن تحقيق الأحلام ليس مستحيلاً، فبإمكان أي واحد منهم أن يصبح طبيباً أو مهندساً أو حتى عالماً، فقط بالعلم والعمل. القصة الثالثة تدريب الصغار على فرز المخلفات والنفايات عن طريق اللعب والتعلّم كيف تحوِّل مشكلةً عويصة إلى منفعة كبيرة؟الجواب توصّلت إليه مجموعة من الشباب في مخيم البقعة للاجئين الفلسطينيين، الكائن إلى الشمال الغربي من العاصمة الأردنية عمّان؛ عبر إطلاق مبادرة مبتكرة صممت لمواجهة مشكلة ملحة تتمثل في تراكم المخلفات على نحو أحال المخيم، الذي يبلغ عدد سكانه أكثر من 120 ألف نسمة، إلى فضاء ملوث يفتقر إلى أبسط الشروط الصحية والمعيشية، وأحال الكثير من مساحاته إلى ما يشبه «مكبات» نفايات دائمة تسبب ضرراً صحياً وبيئياً.أُطلقت المبادرة في أكتوبر/تشرين الأول عام 2013، تحت اسم «قاعدة الشباب لإعادة التدوير»، ضمن مشروع «شبابنا للعمل التطوعي» مع الجمعية الملكية للتوعية الصحية بالتعاون مع منظمة اليونيسيف. جاءت المبادرة من شباب المخيم وعلى أيديهم، انطلاقاً من ضرورة توعية الجيل الجديد بأهمية تبني القيم البيئية. وكان من الطبيعي أن تستهدف المبادرة طلبة المدارس في مخيم البقعة، التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة (الأونروا)، والبالغ عددهم أكثر من 10 آلاف طالب وطالبة، مع التركيز على طلبة المرحلة الابتدائية؛ كي تتعزز لديهم مفاهيم وممارسات المحافظة على البيئة وثقافة إعادة التدوير من الصغر.وعبر ورش تدريبية، تعلم الطلاب طريقة فرز المواد والمخلفات البيئية بطريقة جاذبة، بتصميم حاويات لافتة لفصل مخلّفات الورق عن المعادن والبلاستيك والزجاج. كما دُمِج مفهوما اللعب والتعلُّم لتعريف الصغار بمفهوم إعادة التدوير وآلية فرز المخلفات والنفايات وغرس قيم المحافظة على البيئة؛ بحيث تصبح جزءاً من أسلوب حياتهم.حتى اليوم، تعمل مبادرة «قاعدة الشباب لإعادة التدوير» في خمس مدارس من مدارس مخيم البقعة، وهناك 3500 طالب وطالبة، من مختلف المراحل الدراسية، يطبقون فكرة إعادة التدوير في مدارسهم، ومنهم من حملوا هذه الفكرة إلى بيوتهم؛ حيث باتت تعود على أسرهم بدخل بسيط.ولضمان استمرارية المشروع وتشجيع أكبر عدد من الطلاب على الانخراط فيه بفاعلية، تم تخصيص جزء من العائد المادي للمواد التي تفرز في تدريب مدارس أخرى على فرز المخلفات وإعادة التدوير، كما يعطى جزء آخر من هذا العائد المادي للطلاب؛ لتنفيذ مشاريع ومبادرات تطوعية في مدارسهم ومجتمعهم؛ من بينها مبادرة لمساعدة ودعم أصحاب الهمم، وحملة للتبرع بالدم، وتموين فرقة مسرحية وغيرها من مشاريع تطوعية.منذ إطلاقها وحتى اليوم، نجحت «قاعدة الشباب لإعادة التدوير» في إرساء ثقافة العمل البيئي لدى شريحة عريضة من طلبة المدارس.في مكان لا صوت يعلو فيه سوى صوت البؤس والفقر، نجح شباب وأطفال مخيم البقعة، في رفع راية الأمل عالياً، عيونهم على غد أجمل.
مشاركة :