أغرم العرب منذ الجاهلية بالعطور، التي يستمدون عناصرها من المسك والعنبر والعود والصندل، وكذلك من السنبل والقرنفل والقسط والورد والنسرين والفل والبنفسج، وتفننوا بأنواعه، غير أن أروع الأطياب ما كان يسمى (الغالية). وقالت السيدة عائشة، رضي الله عنها: كنت أغلف لحية رسول الله بالغالية. وقال عليه أفضل الصلاة والسلام: حبب لي من دنياكم ثلاث: النساء، والطيب، وقرة عيني الصلاة. وكان أبو طالب بن عبد المطلب عطاراً، وكذلك النضر بن الحارث، وعبد الله بن جدعان، وأمية بن خلف؛ كلهم كانوا عطارين. وقال عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، لو لم أكن خليفة أمير المؤمنين، لتمنيت أن أكون عطاراً، فلو فاتني الربح، لم يفتني الريح. ووصف عمار بن ياسر (العطار) بأنه جليس صالح. لهذا اصطفيت من جلسائي صديق لقبه (العطرجي)، على أمل أن يكون فيه شيء من الصلاح.والآن دعونا ندخل (بالغويط) - أقصد الشعر، وهو الذي فتق قريحته الطيب. وها هي الجارية الحسناء تكتب بالمسك اسم جعفر على خدها الأسيل، فطار عقل المتوكل، وقال:وكاتبة بالمسك في الخد جعفرا بنفسي سواد المسك من حيث أثرالئن أثرت بالمسك سطراً بخدها لقد أودعت قلبي من الحزن أسطرافيا من مناها في السريرة جعفر سقى الله من سقيا ثناياك جعفراوها هي أخرى مدت يدها لتطيب محمد بن يسر، فلم يتمالك نفسه حتى قال وهو يرتعد:يا باسطاً كفه نحوي يطيبني كفاك أطيب يا حبي من الطيبكفاك يجري مكان الطيب طيبهما فلا تزدني عليها عند تطييبييا لائمي في هواها أنت لم ترها فأنت مغري بتأنيبي وتعذيبيانظر إلى وجهها هل مثل صورتها في الناس وجه مجلى غير محجوبونأتي إلى الشاعر إسماعيل بن جامع، عندما ذهبت معشوقته مريم إلى الحجاز وتركته في بغداد، وأخذ يتذكرها ويتواجد عليها قائلاً:هل ليلتي بقفا الحصحاص عائدة في قبة ذات أشراج وأزرارتسمو مجامرها المندلي كما تسمو بجنانة أفواج إعصارالمسك يبدو إلينا من غلائلها والعنبر الورد يذكيه على النارومريم بين أثواب منعمة طوراً وطوراً تغنيني بأوتاروأختم مقالي هذا ختاماً ليس فيه ذرة واحدة من مسك، محدثكم عن رعبوبة حسناء عندما ضاقت برائحة بعلها الكريهة، وأرادت أن تنفس عن صدرها، قالت مرغمة:ألا ليت زوجي من الناس ذو غنى حديث الشباب طيب الريح والعطرطبيب بأدواء النساء كأنه خليفة جان لا ينام على هجرووالله إني قد أشفقت على تلك الحسناء (المعتّرة)؛ أكيد أن رائحة زوجها كانت تزكم الأنوف، وتصرع الطير الحايم.
مشاركة :