هناك لعبة شطرنج عالية المستوى تجري عملياتها الآن على المسرح السياسي الدولي، ولعل أبرز اللاعبين لا شك هو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الرجل الاستخباراتي القوي.الرئيس بوتين يسخر جل جهوده وقواته لإعادة المجد الروسي على حساب الغرب، فهو شاهد بأم عينه كيف تمكن الغرب من كسر الاتحاد السوفياتي وهزيمته في أفغانستان (وقد كان بوتين من أفراد المخابرات في الاتحاد السوفياتي وقتها)، وبعدها استمر في إحداث الثغرات الأمنية في الشيشان وداغستان وساهم في تفكيك الاتحاد السوفياتي. ثم توالت الأحداث ليزرع الغرب صواريخ عدوانية في بولندا والمجر وجمهورية التشيك المتاخمة للحدود الروسية.وحينها كانت التدخلات الأميركية في كل من جورجيا وأوكرانيا بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير الروسي، فروسيا تعتبر كلاً من جورجيا وأوكرانيا العمق الخلفي لها، فمنهما جاء اثنان من أهم رؤساء الاتحاد السوفياتي؛ ستالين الذي جاء من جورجيا، وخروتشوف الذي جاء من أوكرانيا، واعتبرت روسيا هذا الأمر تهديداً مباشراً وصريحاً لأمنها الوطني، وعندها قررت التدخل عسكرياً لحسم «المؤامرات» من قبل «المرتزقة»، وتعرضت روسيا وقتها لعقوبات اقتصادية ووضع حد لجموحها ولكنها استمرت في «حصار» أوروبا بالطاقة وزادت من حصة توريد الغاز للقارة العجوز ليتجاوز الـ60 في المائة لتكون المصدر الأساسي لتلك السلعة الحيوية.أيضاً تدخلت روسيا بوتين بقوة في سوريا لتفرض على الأرض واقعاً مختلفاً لما أراد الغرب تحقيقه. والآن ينفذ جهاز الاستخبارات تهديد رئيسه بوتين الذي قال في حديث أخير له إن «أهم ما يعنيه هو الولاء لروسيا وإن سبب عدم الولاء هو الخيانة وإنه لا مكان للخيانة بيننا» ولذلك لم يكن مفاجئاً ردة الفعل البريطانية عندما اتهمت رئيسة الوزراء تيريزا ماي روسيا بمحاولة اغتيال جاسوس روسي باستخدام أسلحة كيماوية متطورة جداً. وكان توجيه الاتهام مقدمة لسلسلة من القرارات التي اتخذتها بريطانيا ضد روسيا منها طرد 23 دبلوماسيا وتجميد أصول الدولة الروسية في بريطانيا، ووقف الاتصال بين الحكومتين فوراً، ومقاطعة بطولة كأس العالم القادمة بروسيا. روسيا تستغل انشغال الحكومة البريطانية في مسألة الخروج من الاتحاد الأوروبي (البريكست) وحالة الوهن السياسي العام.وكذلك الأمر بالنسبة لأميركا تحاول روسيا كسب «جولات» مختلفة في ظل الانقسام السياسي الحاد وغير المسبوق في الداخل الأميركي.روسيا دولة مخابرات تساندها مجموعة غريبة عجيبة من رؤوس الأموال التي تشكل اليد الطولى للكرملين حول العالم، وهذا النظام ضد كل ما يعلن عنه الغرب من مبادئ وقيم سياسية، الأمر الذي سيزيد لعبة الشطرنج سخونة والخسائر ستكون مكلفة وأكثر وضوحاً وجلاء.بريطانيا تصعّد حادثة محاولة اغتيال الجاسوس الروسي على أرضها بالسلاح الكيماوي على أنه اعتداء على دولة رئيسية في حلف الناتو وليس حادثاً فردياً غريباً. هناك انتظار دقيق لمعرفة رد الناتو عموماً في ظل رئيس أميركي لا يؤمن بدور للناتو. العالم يتغير ولعبة الشطرنج مستمرة.
مشاركة :