لقد جسد الكثير من الناس الاستهلاك الثقافي حسب منظوره الشخصي، فانغمس في القراءة والكتابة، واقتناء الكتب، وحرص على انسيابية الحديث وارتقاء المفردة أينما حلت، وكيفما شاء مصيرها سواء استدعى الحال إلى ذلك أو لا، ثم يقوم بغرسها في أرض بلا مشروع، ويترنم بها كيفما شاء ظرفها، ثم سعى أغلبهم الى الظهور الاعلامي فأصبح مؤشر تنام ثقافي يضخ اسماء على السطح لم تكن من قبل موجودة، فأصبح الإعلام يزخر بمجموعة من الذوات الاجتماعية المختلفة، فالمجمل الذي أمامنا أدى الى تحقيق أمرين أحدهما قطعي، يؤدى فيه الفعل احتراما للواجب، والآخر شرطي، الفعل مشروط بنتيجة وفوائد شخصية بحجة الدين أو التربية وما يبنى عليه من مصالح فردية وتوجهات تمول النظريات الخاصة بامتياز. اذن فالذوق الذي يظهر إنسانية الانسان يعتبر مصنفاً ممتازاً يميز بين الناس وأخلاقياتها وتصرفها، داخل إطار الفضاء الاجتماعي العام، وممول جيد لمنح الأبناء فرصة لاكتساب جزء واع ومدرك لدلالات الالفاظ والكرامة والاحترام، أما « كانط « فقد بيّن في كتبه وفلسفته، (إن علم الذوق والاستهلاك الثقافي مطالب بإلغاء حدود القداسة التي تجعل من الثقافة الشرعية عالماً منفصلا، بغرض اكتشاف العلاقات المعقولة التي تجمع بين اختيارات غير قابلة للقياس، وبهذا المقتضى فإن الثقافة الناتجة عن هذا التقسيم السحري تكتسي طابعاً مقدساً). ثم استشهد بعد ذلك بالحكمين التاليين اللذين يمكنهما ان يعززا تحليلات عالم الاجتماع، قائلاً: (إن هناك مواقف مخلة بالحياء على الشاشات تصدم المشاهد، أو لتوضيح أكثر، كمشاهدة راقصات بالية شبه عاريات يقمن بحركات تعبيرية جريئة ومثيرة )، وتجدر الإشارة هنا إلى النقد البناء وليس الإقصاء، مما يحتم القول هنا، لا تشير بأصابع الاتهام إليهن، إنما هو تعبير لنجاح المسرحية أو الفيلم وجذب انتباه المشاهد الذي اختار حسب ثقافته وميوله هذه العروض، وفي آن واحد لا نغدق على أنفسنا ونشيد ببراءة المشاهد أو الاختيار أو إدانتها، ونصب جام غضب المجتمع على هؤلاء العارضين أو العارضات، ولكن هي الأعمال التجارية تبحث أولاً عن العائد المادي والربحي، قبل لبس ثياب العفاف أو البراءة وهذا لا يدخل في إطار سياسة التجارة ولا يلتفت له الكثير إذا تجرد من مراعاة الذوق العام. لذا فنحن نأمل الكثير من مجتمع انتهج الحرص على الإنسانية، واختار وسائل وغايات لتحقيق أمنيات وآمال قابلة للتنفيذ، تتصدر مهامها الحفاظ على كمال التهذيب وتجسيد أدوار واعية تؤكد الأثر الأخلاقي والوازع الديني الذي يعيد بناء الذات، وكما قرأنا في أحد كتب جلال السيوطي عندما قال:(اعلم بأن الذوق السليم نتيجة الذكاء المفرط، والذكاء المفرط نتيجة العقل الزائد، والعقل الزائد سر اسكنه الله في أحب الخلق إليه، وأحب الخلق إليه الأنبياء، وخلاصة الأنبياء نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فهو أكمل الناس عقلاً، وأرضاهم خلقاً، وأكثرهم فضلاً). وحري بنا اتباعه والسير على نهجه، ومراعاة الآداب العامه في النصح والتخاطب والنقد والأسلوب والتعامل والتفاعل، لأن لكل شيء في الحياة منهجا، والأمر الذي يؤدي فيه الفعل واللطف الى اثار ايجابية مهما اضطرنا الواقع الى عكس ذلك، فهو المنهج الصحيح والسوي، لأن الذات تنشد دائما العناية والرعاية الحسية طمعا في التواصل الجاذب والجميل، مهما حتمت الظروف والضرورة، ويظل الانسان يحمل غاية الواجب والإنسانية ووسائله المتنوعة مهما تقادم الزمان وتغيرت الأماكن وضاقت المساحات.
مشاركة :