إن إلغاء المشاكل من الحياة هو في الحقيقة إلغاء الحياة بذاتها، وإبطال مفعول الأمل والطموح، فإن العقل سيمنح لنفسه حدوداً خاصة لا يمكن تجاوزها، ويبقى الفهم مرهوناً لهذا التوقف أو الإلغاء، فكيف تتجلى الطموحات على المقتضيات، وتحافظ على توازنها، ومكوناتها، ومفاهيمها، والتأثير الذي يحقق غاياتها، ويهدف إلى ضرورة الاستمرارية، والموقف من الواقع الخارجي. ويقول الفيلسوف الفرنسي المعاصر موريس مرلوبونتي: (إن أسباب الرفض هي أسباب القبول، إشارة إلى ما قد يعتري الممارسة من انحراف عن الأهداف والقيم التي انطلقت منها، وفي ضوء قول الكاتب: لا أفكر بحسب الحق فقط، ولا بحسب نفسي فقط، ولا بحسب الغير فقط). على سبيل المثال، قضية ميراث لأربعة إخوة وثلاث بنات، فواحد منهم توكل عن الكل في مباشرة المهام وإدارة شؤون العقار بما فيه قيمة الإيجار لتلك العقارات، وتوزيعها على بقية الورثة بالتساوي المنوط بالتقسيم الشرعي للبنين والبنات، ولكن ذلك الأخ لم يؤد الأمانات إلى أهلها، واستولى على كل شيء بلا أي عذر أو سبب، لمدة تتراوح بين ثلاثة أعوام إلى أربعة، فتطابق تصرف الأخ على حد قول الفيلسوف، فلا تعلم هل هو سلوك ضد البشر أو ضد الحقيقة ؟ أم هو تجاوز على النفس والجسد، والذات والموضوع، أو هو قناعة تامة لما في العالم من مفارقات، أو قد يكون معنى لكل ضروب الهيمنة والتسلط، ووضع الإنسان الحديث على مشارف التمرد، على المحيط الداخلي والخارجي، وعجزه عن استيعاب الحقيقة، والتغاضي عن التجارب الحية التي يختزلها من الواقع . فهل يتعلق الأمر بالإشكال والأحداث وإدراكها، أم بالطبيعة البشرية ؟ ستكون وحدة الإجابة في مأزق إن لم نحدد السؤال الأهم والأعم والأكمل، للمقتضيات الحقيقية التي تنبع من طموحات البشر، وتأتي بسبب كاف، فالسلبية تؤدي إلى إضعاف رؤية الذات، وتدفع بالإنسان نحو خوف يلامس الأمل واليأس نتيجة التصميم على الفعل، وخشية رفع الرشد عن محصلة العقل. فالأداء إذا كان بمعزل عن التعبير يفقد المقاصد النهائية، ويذيب روابط العلاقة القائمة بين الخلاف والبرهنة وغالباً ما تكون المبررات غير مكتملة، لذلك لا تستطيع أن تقيس على حالة أو أخرى، فالمعرفة تظل في اضطراب متدرج، ونسمي هذا النوع من النزاع فضاءات مجتازة، لا حدود لها، وتعتمد على البيئة الاجتماعية والأدوار التي يقوم بها الناس تجاه الروابط التي بينهم، ثم إن للإنسان قدرات عليا في الذات، وصوت لا يخفت، ينحاز إلى العقل والحق، ولكن يأبى محاولة فهم الدوافع الشريرة، والمحرض السيئ الذي يحثه على الإفراط في اللهو، لكي يفشل في الحفاظ على حقوق الآخرين، إذا آل الأمر إليه دون معرفة الأسباب. فليس هناك تحد أكبر من أن تصلح خللاً أسرياً، وترمم الصدع الذي أصاب جدار البيت، وتساهم في طرح حلول ترضي جميع الأطراف قبل أن تنكسر الأشياء الكبيرة ويصعب جمع أجزائها، فمشاركة المجتمع همومه من الأولويات في الأعمال التطوعية والخيّرة، وإن أعظم الأعمال هي التي تتغلب على العقبات دون خسائر، وتبذل جهوداً ومهارات لتدرك أهمية المواقف المتراكمة، والتي تتيح للأفراد المختلفين فرص سانحة للتفاعل المثالي، فمن النبل أن تناضل من أجل الآخرين، وتوجد حلولاً وخيارات متعددة، فقانون "هيبيل" الأول لقلب التفكير هو: في كل شيء سلبي تتواجد قوة إيجابية أكبر.
مشاركة :