قبل سنوات، قرأت في صحيفة خليجية عن رجل رفع دعوى على شركة الاتصالات في بلاده، بعد ان تسببت في طلاقه من زوجته، وما حدث هو ان الزوجة كانت تشك في أن الزوج «يذاكر» من وراء ظهرها، وذهبت إلى شركة الاتصالات وزعمت أن زوجها على سفر، وأنها تريد فاتورة هاتفه الجوال لسداد المبلغ المطلوب، وبكل براءة (أي عباطة) أعطوها فاتورة تفصيلية، وثبتت شكوك الزوجة، فقد كان في الفاتورة رقم هاتفي معين، يتصل به الزوج نحو عشر مرات يوميا، واتصلت الزوجة بذلك الرقم و.... عليك نور: كان رقم امرأة، واتصلت بها الزوجة وأسمعتها فاصلا من الردح «يعجبك» من نوع: يا أم عين زايغة ويا خطافة الرجالة، ثم عادت إلى البيت وطربقت الدنيا على دماغ البعل، الذي لم يستطع الدفاع عن نفسه، وأدلة إدانته مسجلة إلكترونيا، وانتهى الأمر بالطلاق، وبعدها قالت جميع شركات الاتصالات في منطقة الخليج «توبة»، ولا تعطي تفاصيل الفاتورة الهاتفية إلا لصاحب الهاتف، وذلك بعد أن يبرز بطاقته الشخصية (واليوم وقد وصلنا إلى عصر فاتورة الهاتف الإلكترونية فعليك -إذا كانت فاتورتك تفضح بعض أسرارك- أن تحفظ كلمة المرور في الكمبيوتر أو الهاتف الذكي في الطبقة السفلي من المخ، وأحذر أولئك المتزوجين من ذوي الأسرار الهاتفية الخطيرة، من أن استخدام البصمة لفتح الهاتف «خطر» فإذا كنت متزوجا وأراد الطرف الثاني التجسس عليك، فإنه يستغل نومك العميق ويضع بصمتك على الهاتف ثم يهتف: يا ويلك وظلام ليك). وكأننا ناقصين فقد طرحت شركة يوسفُل سولوشنز (وترجمتها حرفيا «الحلول المفيدة/المجدية») الأمريكية -وكل البلاوي تأتينا من تحت رأس الأمريكان- خدمة تؤدي إلى حروب أهلية على مستوى البيوت وبيئات العمل، وهذه الخدمة متاحة سلفا عبر موقع التواصل الاجتماعي الأشهر على الإنترنت «فيسبوك»، كما أن شركات الهواتف النقالة في كل الدول الإسكندنافية توفرها بلا مقابل لمن يرغب. وبحمد الله فإن شركات الاتصال في بلداننا لم تحاول طرحها حقنا للدماء. الخدمة معرفة اختصارا بـsniff وتعني حرفيا الشم والشمشمة. اسمها الكامل social network integrated friend finder وهي مكرسة لتحديد مواقع من تبحث عنهم، ويوحي الاسم (الشبكة المتكاملة للبحث عن الأصدقاء) بأنها تستخدم للبحث عن الفريند الذي هو الصديق، ولكنها بالطبع تصلح للبحث عن كل شخص تعرف رقم هاتفه أو حسابه على الإنترنت. مثلا: استلفت مني مبلغا ماليا منذ تسعة أشهر، وتراوغ وتمارس الزوغان وتتجاهل اتصالاتي، وعندما اتصل بك من رقم لا يخصني ترد علي، وما ان تعرفني من صوتي، حتى تغيِّر نبرات صوتك لتزعم أنك شخص آخر، أو تغلق الخط في وجهي؟ يا ويلك مني: بقليل من التكتكة بالهاتف الجوال أبعث بإشارة إلى محطة إرسال واستقبال، وأشكل مثلثا بين هاتفي وهاتفك والمحطة (كما تفعل الشرطة عند تعقب مكالمات تصلح أدلة لإثبات أو نفي تهمة)، فتأتيني المعلومات من مكان وجودك في شكل خريطة دقيقة عبر رسالة نصية قصيرة إس.إم.إس وأطب عليك وأنت جالس في مطعم فخم وسط شلة من الأصدقاء، وبعد التحية أخاطب من هم حولك: اعذروني يا جماعة على قطع حديثكم، وكل ما هناك هو أن صاحبي هذا اقترض مني سبعين قبل شهور لشراء بترول لسيارته. فيقاطعك صاحبك: أي سبعين الله يهديك. يظهر أنك نسيت السبعة آلاف اللي استلفتها منك لقسط سيارتي البي إم دبليو، لما بطاقتي الائتمانية ضاعت آسف، خذ الـ7000 ولو احتجت لزيادة تدلل! وهناك ملايين الناس يعانون سلفا من ويلات تطور وسائل الاتصال، ورغم ان الظروف جعلتني من أصحاب الآيفون فإنني مازلت اعتبر الهاتف الجوال العادي واحدا من مصائب الزمان، فلا سبيل للزوغان من مكالمة شخص ثقيل أو زوجة أو مدير، فحتى لو تجاهلت المكالمة في وقت حدوثها، فإن تلك الأجهزة اللعينة تخزن المكالمات التي لم يتم الرد عليها، ومن تطنش مكالمته يطاردك برسالة «مسج» وغدا نستكشف مزيدا من بلاوي الجهاز الحشري الشمّام.
مشاركة :