هي مفتاح مشاكل وليست حلولا (2)

  • 3/16/2018
  • 00:00
  • 11
  • 0
  • 0
news-picture

مازلنا مع «الشبكة المتكاملة للعثور على الأصدقاء» والتي تم اختصار اس بالإنجليزية إلى «SNIFF سنيف»، وهي خدمة طرحتها شركة يوسفُل سولوشنز الأمريكية، بحيث يمكنك عبر موقع فيسبوك على الإنترنت أو عبر شبكة الهاتف الجوال، تحديد مكان وجود شخص ما، وكما شرحت في مقالي أمس، فكل ما هناك هو أنني -مثلا- وبقليل من التكتكة بالهاتف الجوال أبعث بإشارة إلى محطة/ برج إرسال واستقبال، وأشكل مثلثا بين هاتفي وهاتفك والمحطة، فتأتيني المعلومات من مكان وجودك في شكل خريطة دقيقة عبر رسالة نصية قصيرة إس. إم. إس. وبالخبث التسويقي المعهود وصفت الشركة تلك الخدمة بأنها للعثور على الأصدقاء، بينما حقيقة الأمر أنها، وكما أثبتت التجارب في الدول الاسكندنافية، تحولت إلى نظام للتجسس، وقد تحوِّل أقرب الناس إليك إلى أعداء، فقد يكذب رجل في لحظة (زنقة زوجية) بأنه تأخر في العودة ليلا، لأن خالته كانت في قسم الطوارئ في المستشفى، بسبب عارض صحي، وهو لا يدري أن المدام -دام عزّها- شمشمت وعرفت أنه كان في فندق هالوين ريزورت طوال الليل، وعندما تترك مكان العمل بعذر كاذب- مثلا، «الكهرباء انقطعت عن البيت»، فإن المدير يستطيع أن يثبت لك بالدليل القاطع أنك كنت تشرب شاي كرك وتدخن شيشة 96 بوصة في أحد المقاهي. من الإيجابيات القليلة لهذه الخدمة أنها تساعدك -مثلا- في تحديد موقع طفل ضاع منك في زحمة الأسواق، إذا كان يحمل هاتفا جوالا، كما انها تساعد على القبض على المجرمين لأن هواتفهم الجوالة تنقلب عليهم وتفضح أماكن اختبائهم. ورجال الشرطة والنيابة العامة في جميع البلدان يستخدمون تلك التقنية لرصد أماكن وجود المشتبه في أمورهم. في صيف عام 1990 ضاعت مني زوجتي في ميدان فاستلافسكي نامستي، في قلب العاصمة التشيكية براغ، ولم أكن قد سمعت بالهواتف الجوالة، وصار عيالي يبكون، وظللت لوقت طويل أتنقل في أركان الميدان بحثا عنها وأتمعن في وجوه النساء. فتصيح بنتي: أمي مش خواجية عشان تبصبص لكل واحدة تمر جنبك. وعثرنا على صاحبة وجه أسمر، وطلعت سودانية، وعلمت بحكايتنا فاستنجدت بزملاء وزميلات لها كانوا في موقع قريب، وانتشروا في الميدان وعادوا بها سالمة، ولو كانت تكنولوجيا تحديد المواقع متوافرة وقتها لما تعرضنا للبهدلة في بلد لم يكن فيه وقتها شخص واحد يتكلم غير اللغة التشيكية، ولما نجحت ابنتي في انتزاع تعهد مني بعدم الزواج بأخرى في حال عدم العثور على أمها! كما أوضحت فإن تلك التكنولوجيا معروفة -اختصارا- بـ«سنيف» التي تعني الشم، وبالتالي فهي اسم على مسمى، فهي مثل الكلب البوليسي تشمشم الشخص المطلوب إلكترونيا، وتحدد لك مكان وجوده بالسنتيمتر والملليمتر! وفي الوقت الحالي فإن حوالي عشرين مليون سويدي يشتركون فيها، ولكنهم ندموا وسفوا التراب: كتبت صحف سويدية عن تجربة موظف ترك موقع العمل بعذر كاذب ومفتعل، وكان من سوء حظه أن رئيسه المباشر سخيف وعنجهي ووقح، فقد واجهه عند عودته إلى العمل بأنه دخل دورة المياه ست مرات خلال ثلاث ساعات، ثم سأله: هل تعاطيت المسكرات أثناء غيابك عن مكتبك أم أنك أصبت بالسكري خلال ثلاث ساعات؟ ولأن ذلك الموظف سويدي، أي ينتمي إلى بلد يعتبر فيه حرمان الكلب من الفسحة اليومية جنحة (أي جريمة بسيطة)، فقد تعرض رئيسه في العمل للمحاسبة القاسية، ليس لأنه مارس الشمشمة لمعرفة مكان «زوغان» الموظف، بل لأنه رصد حتى لحظات توجهه إلى دورات المياه. والحل؟ في الدول الغربية يتم ربط جهاز إلكتروني حول سيقان من تمنعهم المحاكم من مغادرة مقار إقاماتهم أو سكنهم، وبهذا فإن تحركاتهم تبقى مرصودة من قبل الشرطة، فيلجأ بعضهم إلى نزع الجهاز وتركه في البيت ليتحركوا من دون الخضوع لرقابة، وإذا كنت تريد الإفلات من جهاز سنيف المخصص لشمشمة الأماكن، فاترك هاتفك الجوال في مكان «آمن» أي لا يثير حولك الشبهات، وبعدها أنت وحظك

مشاركة :