غزل شباك الصيد .. حكايات من ذاكرة البحر

  • 3/16/2018
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

القاهرة: ياسين محمد تحفظ شباك الصيادين في مصر، جزءاً كبيراً من تراث تلك المهنة العتيقة، وتروي عبر خيوطها فصولاً من ذاكرة البحر التي لا تنضب، عن صيادين رحلوا في ريعان الشباب، وآخرين عادوا إلى بيوتهم بالخير الوفير. وشباك الصيد هي القاسم المشترك، حيث يبدأ تجهيزها قبل شهر كامل من بدء الرحلة، فطاقم السفينة عليه مراجعة ما يوازي 3 كيلو مترات من الشباك قبل إلقائها في المياه، ويقضي كل شهر أغسطس لرتق ثقوبها كي لا تهرب منها الأسماك، ويقول العربي حسين صياد بمدينة السويس، المطلة على البحر الأحمر: «قليل من الصيادين يتقن صيانة وغزل الشباك، فكثير من الأجيال الجديدة ليس مهتماً بتعلم هذه الحرفة، ويكتفي فقط بالصيد». حسين، عمره 52 عاماً، يعمل طوال الشتاء على قوارب صيد الجر بخليج السويس والبحر الأحمر، إلا أنه يقضي أشهر الصيف في الصيد بالشواطئ الصغيرة بقناة السويس لمنعه في البحر المفتوح خلال الأشهر من إبريل حتى سبتمبر بقرار من هيئة الثروة السمكية في مصر. تمثل مهنة صيد الأسماك مصدر دخل رئيسي لسكان مدينة السويس، حيث يعمل معظمهم فيها ولصيادين انتقلوا إليها من محافظات دمياط والبحيرة، أو في مهن مساعدة لها كتصنيع السفن أو تموينها بالوقود، أو صناعة الثلج الذي يستخدم لحفظ الأسماك، أو صناعة شباك الصيد والحبال، ويقول العربي حسين، «أمتهن الصيد فقط، ولذلك نعمل في شهور الصيف على صيد الجمبري والأسماك الصغيرة التي تعلق في الشباك، وفي فترة التجهيز للموسم تكون الصيانة سبباً مهماً لزيادة الرزق لأن على القارب لا نعرف أجرة العمل اليومي، إلا أن لكل صياد نسبة من حصيلة الصيد، واحتراف مهارة إضافية ترفع من نسبته». مناطق السواحل صناعة وصيانة الشباك من الحرف اليدوية التقليدية التي مارسها الصيادون في مصر منذ سنوات طويلة لصيد الأسماك، وما زالت تمارس حتى الآن في مختلف مناطق السواحل خصوصاً من السويس إلى بورسعيد والإسكندرية، ويبحث العربي حسين في هذه العملية على أي قطع في عيون الشباك لرتقها، ويبتسم عندما يجد خرقاً صغيراً ويقول، «هذا الثقب كفيل بضياع نصف الصيد». يستخدم الصياد شباكاً صنعت من خيوط الحرير بدلاً من النايلون، وتكون خيوطها سميكة وتصبغ باللون البني كي تتحمل ملوحة البحر وتقاوم الحجارة في قاعه وتكون «عيونها» ضيقة، وتستخدم هذه النوعية في صيد الجمبري، ويشير حسين إلى أن الشباك أصبحت تصنع آلياً، وهي مستوردة، يضاف إليها الفلين والرصاص وقصها على حسب الطريقة التي يفضلها الصياد.وعلى رغم انتشار تلك الشباك، يصر حسين على حفظ الحرفة ويقول، «قليل من الصيادين الشباب يهتمون بتعلم صيانة شباكه، وعن نفسي لا أسعى لتعليم أحدهم هذه الحرفة إلا إذا كان مهتماً، فمن يأتي ليسأل ويراقب كيفية العمل نعلمه». تغير الأحوال على سطح سفينة صيد صغيرة تسمى «عروس البحار»، جلس علي الجميل وسط مساعديه، لصيانة شباك السفينة التي تستعد لرحلة صيد في الأسبوع الأول من سبتمبر المقبل، ويقول: «نستعد للموسم لمدة شهر، وعلينا مراجعة الشباك كلها»، ويضيف، «في البحر الرزق مفتوح لا نحدد أجرة يومية للصياد كل يحصل على حصة من نتاج صيده، بحسب خبرته وتزداد الحصيلة إذا كان صاحب خبرة في صيانة الشباك لأنها مهارة إضافية. قديماً كانت صيانة الشباك حرفة أساسية للصيد، وتشتهر كحرفة تتقنها النساء، إلا أن تغير الأحوال اضطر الرجال لتعلمها، ولكن هناك قرى كاملة للصيد في مدينة الإسماعيلية ودمياط يعمل النساء فيها على صيانة وصناعة الشباك. وعلى مراكب الصيد تبدأ الصيانة بشد الخيوط على أرجل الصيادين، الجالسين يمسكون بملقاط لنسج الشباك وتجديد حرفة يدوية ارتبطت بمجتمع الصيادين والبحر، وتستمر كعنوان لأهل البحر، برغم مزاحمة التقدم الصناعي لها. الرتج والنسج منح تقدم صناعة شباك الصيد فرصة للصيادين لتقليل استخدام مهاراتهم، وساهمت المصانع في صناعة الشباك وتركت للصيادين إمكانية الرتج والنسج فقط، ولكن الشباك المصنعة آلياً تمثل خطراً على مستقبل الأسماك بسبب صغر فتحاتها التي «تكنس»، البحر من الأسماك الصغيرة، ويقول علي السويسي: في السابق كان يتم غزل الشباك باليد، فكانت النساء يقمن بغزل الشباك من القطن بينما يقوم الرجال بالصيد، ولكن ظهرت خيوط الشعر المصنوعة من البلاستيك وخيوط الحرير والنايلون، ومع سهولة تداولها وتوفيرها للمجهود انتشرت بين الصيادين واقتصرت الحرفة على نسجها، ويضيف: «تأتي الشباك بأحجام كبيرة ونبدأ بقصها على حسب طريقة الصيد». يرتبط قص شباك الصيد بكيفية تثبيت أثقال الرصاص بها، حيث يعمل حدادون على صهر الخام منه وصبه في قوالب على أشكال بيضاوية طولية مفتوحة من الجانبين طول الواحدة منها 5 سم تقريباً وتحتاج الشبكة الواحدة للقارب الصغير إلى أكثر من ألف رصاصة، ويختلف شكل الرصاص بين طريقة الصيد لصيادين البحر الأحمر والمتوسط وقناة السويس، وتتحكم سرعة تيار المياه في حجم ثقله. ولعملية رتق الشباك يستخدم ملقاط وإبرة، الملقط يصنع من الخشب يتم شقه من أطرافه ويلف حوله الغزل، لصنع مربعات من الخيوط المنسوجة أو رتق خيوط النايلون الجديدة في شكل هندسي متساوٍ وموحد.

مشاركة :