لو سُئلت ما أبرز الملامح التنموية والإصلاحية للعشرة أعوام الماضية؟ لأجبت بلا تردد الابتعاث.. فالابتعاث لم يربط المملكة بمراكز صناعة الحضارة في العالم ويوجه بوصلة المستقبل نحوها فقط، بل لأنه مشروع اخترق المنظومة الفكرية التقليدية التي كانت تهيمن على المكان وتشطر علاقتنا مع العالم الخارجي إلى دار حرب ودار سلم، ضمن فكر الولاء والبراء الذي جذر أطنابه في ربوعنا أثناء الأربعين عاما الماضية برفقة الفكر الصحوي الذي كان ومايزال إلى الآن يقف ضد مشروع الابتعاث عبر خطاب رموزه المتشنج المنغلق، هذا رغم أن الابتعاث علّم بعضهم ومنحهم حضورا إعلاميا ووجاهة اجتماعية واتباعا يصفقون لهم. ونحن نحتفي بموجات الضوء المتتالية التي تبعث بأبنائنا إلى 27 جهة في أرجاء الأرض، نعلم بأن مخرجات تلك البعثات ستبث الدماء والروح والحيوية داخل المسار التنموي داخليا من ناحية، ومن ناحية أخرى عبر الانفتاح على العالم والانغمار في النشاط الإنساني كجزء فاعل ومنتج ومضيف للركب الحضاري العالمي، وإعطاء المملكة بجانب مكانتها الروحية دورا رياديا على مستوى الفعل الحضاري، بعدما حاصرتها تهم كثيرة تتعلق بمحاضن الفكر الإرهابي وتمويله. الأمر الايجابي في المرحلة العاشرة للابتعاث بأنها تميزت بتنوع الاختصاصات، وتجاوزت التخصصات العلمية التي يتم عادة التركيز عليها، مع إغفال العديد من التخصصات الإنسانية الأخرى رغم دورها الجوهري في عملية التنمية. فالمرحلة العاشرة طرحت تخصصات جديدة منها الإعلام الرقمي، والسياحة الفندقية، وعلم النفس الأكلينكي، فالحضارة (كمقابل للبدائية والهمجية) هي مكون مركب لاينحصر فقط وسط المختبر أو الصف الأكاديمي، بل هو مشروع حياتي متكامل، والمعارف عبارة عن نهيرات صغيرة تصب جميعها في الوادي الكبير للحضارة، ومن المستحيل أن تكون هناك روح نهضوية دون هذا التكامل، ولن ينجح خريج المختبر دون أن يكون هناك أقسام إنسانية تدرس مدارس الفلسفة والنظريات الفكرية الحديثة بالتوازي مع النظريات العلمية، داعمة من خلال هذا الروح العلمية في الفضاء الفكري، تلك الروح القائمة على المغامرة والتجريب وإطلاق أسئلة الشك والاحتمالات التي هي وقود المنجز الإنساني عبر التاريخ. أيضا جميل أن يكون هناك بعثات لدراسة السياحة.. فمفارقة مؤلمة أن تكون لدينا هيئة للسياحة والآثار دون أن تكون هناك في جامعاتنا مسارات أكاديمية تمدها بالخريجين. والإعلام الرقمي أخيرا تم الالتفات له في برنامج البعثات رغم أن له سوقا رائجة لدينا.. وفي هذا السياق لابد من الالتفات أيضا إلى صناعة الصورة والسينما في زمن تكتسحه ثقافة الصورة.. وتتصدر واجهاته العالمية، فتلك الثقافة لم تعد توظف لأبعاد فنية وترفيهية فقط بل أصبحت تتحكم في صناعة الرأي والاتجاهات الفكرية العالمية. وكما أسلفت المكوّن الحضاري هو لوحة فسيفساء كبرى كل قطعة تكمل جزءا من المشهد.
مشاركة :