Follow مع المعطيات والشواهد المستخلصة من قراءة الواقع العربي منذ 2011م، يبدو أن تفسير ما حدث في قرية الدالوة بالأحساء بكون الشحن الطائفي والمذهبي الداخلي هو السبب الوحيد له دون وجود ما هو أكبر وأخطر من ذلك، يبدو ذلك اختزالا وتسطيحا للقضية. صحيح أن حالة الحقن الطويلة وشبه المستمرة أفرزت قناعات في غاية التطرف جعلت أصحابها جاهزين لارتكاب جرائم إنسانية بحق المواطن من قبل من يعتقدون أن واجبهم الديني محاربتهم؛ لأنهم على غير الملة بسبب مذهبهم، لكن هذه الجاهزية كانت الورقة الذهبية والوسيلة الأهم بيد الذين يخططون بخبث ومكر وإصرار متواصل لزعزعة استقرار وطننا وتحويله إلى بيئة قابلة للتفتيت ثم الانهيار كما حدث ويحدث حولنا. أصبح معروفا وواضحا أن الاختلافات الطائفية والمذهبية والعرقية والدينية هي الاستراتيجية التي اقتنعت القوى التي تخطط لإعادة تشكيل المنطقة أنها الأنسب والأجهـز والأقوى أثرا ونتيجة، جربت ذلك من حولنا، وبالفعل وجدت بني يعرب جاهزين للانقضاض على بعضهم بشكل فاق توقعات أصحاب المخطط. المملكة لن تكون الاستثناء في مخطط التخريب الذي يقوده من يزعمون أننا ما زلنا حلفاءهم، وما الهجوم الذي يقوده الإعلام الأمريكي ضد المملكة منذ فترة غير قصيرة سوى تجهـيز للرأي العام لديهم لما يمكن أن تحمله أيام المستقبل، بمعنى أن الجدار الخليجي المنيـع الذي تمثل المملكة عموده الأقوى هو الذي يجب زعزعته ــ في رأيهم ــ لتسقط بقية أحجار الدومينو ويعاد تشكيل الواقع كما يريدون، فما السلاح الأمضى الذي يمكنهم استخدامه من داخلنا وضد داخلنا؟ الحقيقة أننا وفرنا عليهم التفكير والجهد، فأرضية الخطاب المتطرف الذي وصل إلى التكفير العلني لكثير من الطوائف والمكونات الوطنية، وطال حتى الدولة، هي الأرضية المخصبة الجاهزة لإشعال الحرائـق. جريمة الأحساء يمكن اعتبارها بالون الاختبار الحقيقي الأول، فالتوقيت والطريقة والتكتيك لا يبدو أنها من تخطيط ثلة من المأزومين من ضحايا الخطاب التكفيري، وإنما هم الأداة لإنجاز الخطوة الأولى في محاولة إشعال حريق الداخل. إن المخططين الكبار يعرفون أن التحريض على المخالف لدينا ما زال مستمرا، وبارونات تأجيج الفتنة ما زالوا يمارسون خرابهم بكل حريـة، ما جعل هذا الباب هو الأنسب لهم لبداية الخطوات العملية للتنفيذ. حادثة الأحساء هي استثمار عملي لوضعنا الذي كان علينا أن ننزع منه فتيل التأجيج منذ وقت طويل. وهي ليست كما تبدو في الظاهر مجرد اعتداء من سنة على شيعة، وإنما محاولة لضرب الوطن من داخله بوسائله المتوفرة والجاهزة. وعلى كل حال، الوقت لا يسمح باجترار الماضي، وإنما معالجة الحاضر حماية للمستقبل، وهذه المعالجة لا بد أن تشمل جوانب عديدة ومهمة لا يمثل لجم الخطاب التحريضي ضد مكونات الوطن سوى واحد منها. عكاظ
مشاركة :