في ظل العقوبات الدولية تواجه الحكومة السورية صعوبات متزايدة في توفير الغذاء لكنها على الرغم من ذلك لم تفقد الثقة في قدرتها على توفير الغذاء لشعبها. ولكن في حين تنشر وسائل الإعلام الرسمية تقارير تثني فيها على مخابز جديدة تقدم خبزا مدعما طيب المذاق، ويطمئن الوزراء الشعب السوري بأن هناك مخزونات وفيرة في صوامع الدولة يعطي فشل مناقصات استيراد القمح وبعض السلع الرئيسة الأخرى انطباعا مختلفا كالذي تعطيه الشوارع التي يظهر فيها نقص السلع الغذائية وارتفاع أسعارها، وفقاً لـ "رويترز". وبسبب أسوأ موسم حصاد شهدته سورية منذ عقود في ظل اشتعال الحرب تزايدت الضغوط على الحكومة لاستيراد الأغذية في ظل تضاؤل احتياطياتها النقدية حتى وإن كان الدعم الذي تقدمه إيران حليفة الأسد وتضاؤل عدد السكان المراد دعمهم بسبب فرار السوريين من البلاد وسقوط بعض المحافظات في قبضة مقاتلي المعارضة يخفف من العبء الواقع على الحكومة ويكسبها بعض الوقت. وصارت عبارة "للضرورة القصوى" تظهر في الرسائل المتكررة والمتزايدة التي ترسلها الهيئة الحكومية المعنية باستيراد السلع الغذائية في سورية عبر البريد الإلكتروني والفاكس إلى الشركات العاملة في تجارة الحبوب في الأسواق العالمية لتدعوها إلى المشاركة في مناقصات لشراء شحنات من القمح والأرز والسكر. ويقول تجار في أوروبا وآسيا إن مثل هذه الدعوات ترد كل أسبوعين بدلا من كل شهرين في الأوقات العادية، ورغم كل هذا التأكيد على الضرورة الملحة في الرسائل التي تبعثها دمشق تفشل المناقصات واحدة تلو الأخرى في جلب السلع المطلوبة ويقول بعض التجار إن ذلك يرجع في الأساس إلى تمسك سورية بشروط غير واقعية تتجاهل تأثير العقوبات المالية التي تحد من قدرتها على الدفع. وقال أحد التجار في الإمارات طالما وردت شركته سلع إلى سورية خاصة الأرز ولكنها رفضت المشاركة في مناقصات تبدو فيها فرص الدفع ضعيفة. الحكومة في حالة إنكار شديد لتراجع مخزوناتها من الغذاء، وأضاف أوقفنا التعامل مع دمشق. وطلب التاجر عدم ذكر اسمه مثل غيره من التجار المطلعين على المناقصات السورية. ومن المستحيل تحديد حجم مخزونات الحبوب السورية بشكل مؤكد. فالمؤسسة العامة لتجارة وتصنيع الحبوب تشدد على أن لديها ثلاثة ملايين طن من القمح في مخازنها وهو ما يكفي احتياجات سكان البلاد بالكامل والبالغ عددهم 22 مليون نسمة لمدة عام. غير أن الكثير ممن شاركوا في تجارة الحبوب داخل سورية وخارجها يشككون في ذلك. وتشير تقديرات من أكثر من عشرة مسؤولين عن الحبوب وتجار محليين في أواخر تموز (يوليو) بعد الحصاد الى أن سورية ستحتاج لاستيراد مليوني طن من القمح في العام المقبل لتلبية الاحتياجات العادية بعد حصاد محصول بلغ 1.5 مليون طن أي ما يقل عن نصف المحصول المعتاد قبل الحرب. واستنكر رئيس الوزراء السوري وائل الحلقي الأسبوع الماضي ما وصفه بالحرب النفسية الأمريكية التي تهدف إلى تقويض الاقتصاد وقال لوسائل إعلام رسمية إن الحكومة لديها الإمدادات الضرورية، وفي الأسبوع نفسه نشرت وكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا" تقريرا يهدف على ما يبدو إلى تهدئة مخاوف سكان العاصمة حيال نقص الإمدادات. ففي تقريرها عن افتتاح مخبز جديد تابع للدولة لإنتاج 13 طنا من الخبز يوميا نقلت الوكالة عن بعض الزبائن إشادتهم بجودة الخبز كما نقلت عن وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك سمير قاضي قوله إن القمح متوافر وبكميات كبيرة في المخازن. وتشير بيانات الأمم المتحدة إلى أنه حتى في الأحوال العادية يساهم الخبز بنحو 40 في المائة من إجمالي السعرات الحرارية التي يستهلكها السوريون يوميا، وربما تزيد الحرب والفقر من الاعتماد على هذه السلعة. وذكر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة في دراسة نشرت نتائجها في أوائل تموز (يوليو) أن السوريين اضطروا إلى زيادة إنفاقهم على الغذاء بنحو 50 في المائة على الأقل مقارنة بعام مضى وتقول بعض الأسر إنها تنفق حاليا ما بين 40 و80 في المائة من دخولها على الطعام. وتشير الأمم المتحدة إلى أن نحو أربعة ملايين سوري يحتاجون لمساعدات غذائية، وما زال الخبز المدعم الذي تبلغ تكلفته 15 ليرة سورية فقط أو بضعة سنتات أمريكية للحزمة الواحدة متوافرا في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة غير أن السكان قد ينتظرون ساعات في طوابير للحصول عليه وهو ما يرفع أسعار الخبز المصنوع في مخابز القطاع الخاص أو المهرب من مخازن الحكومة إلى عشرة أمثال سعر الخبز المدعم. ويتحدث سكان دمشق عن وسطاء يشترون الخبز من مخابز العاصمة ثم يبيعونه بسعر أعلى لمن لا يرغبون في قضاء ساعات في الطوابير للحصول عليه. ويقول بعض أصحاب المتاجر إنهم يدفعون رشاوى لمفتشي الحكومة بصفة منتظمة كي يغضوا الطرف عن الإجراءات التي تفرضها الدولة لضبط الأسعار والتي تزداد صعوبة تحقيقها على أرض الواقع. ويقول بعض سكان العاصمة إن ارتفاع الأسعار دفع الناس إلى تخزين بعض المواد الغذائية، ويعتقد البعض أن هذه المخاوف يمكن أن تقوض التأييد الشعبي للأسد. وقال محاسب في دمشق عرّف نفسه باسم أبو يحيى إن الأمر يبدو لي وكأن الناس يستعدون للقيام بثورة أخرى، وهذه المرة ستكون ثورة الخبز، فيما يرى فيصل عيتاني الزميل لدى المجلس الأطلسي وهو مركز بحثي مقره واشنطن أن تضاؤل الاحتياطيات النقدية وانخفاض قيمة العملة المحلية بنسبة 75 في المائة وهو ما يضاعف تكاليف الواردات يضع الحكومة السورية في موقف صعب للغاية، وبضيف عيتاني إنه يمكن الجزم بأنه وضع مروع. يمكن للحكومة في الأساس إما الاعتماد على الدعم الخارجي وإيران هي المرشح الأرجح لتقديمه أو طباعة النقود. وقد فعلت كلا الأمرين. لم يعد هناك سبيل آخر يمكنها من خلاله تمويل الإنفاق. غير أن التلفزيون الرسمي قال الثلاثاء إن دمشق وقّعت عقودا كبيرة مع إيران ستغطي احتياجاتها من الإمدادات الغذائية والطبية وغيرها، وقد يساهم الدعم الذي تقدمه طهران الحليف الرئيس للأسد في تفسير اللا مبالاة التي تبدو على سورية تجاه سلسلة المناقصات الدولية الفاشلة التي أجرتها. وأشار تجار أجانب من شركات كبرى وصغرى تعمل على شحن القمح الفائض في أمريكا الشمالية وأوروبا إلى المشترين في أنحاء العالم إلى حالة من الحيرة تجاه الشروط التي تضعها دمشق والتي تتسبب في نفور جميع البائعين. ومن أبرز هذه الشروط إلقاء العبء على الموردين في الحصول على الأموال السورية المجمدة بموجب العقوبات ومطالبة الموردين بإعطاء الحكومة السورية نقودا قبل البيع لضمان أنهم سيسلمونها السلع المطلوبة. وقال أحد تجار السلع الأساسية في ألمانيا إنه لم تنجح محاولات سورية لشراء القمح والأرز وغيرهما من المواد الغذائية... فالحكومة السورية مازالت تفرض الشروط نفسها التي كانت تفرضها في الأحوال العادية على عمليات الشراء فضلا عن غرامات كبيرة في حال عدم الالتزام بتلك الشروط، وأضاف أن المخاطرة كبيرة للغاية على الشركات التجارية. وطلبت سورية من المشاركين في مناقصات الحبوب أن يضعوا مليون يورو نقدا في حساب سوري قبل البيع على سبيل التأمين، وهذا الشرط معتاد من المشترين الذين تحظى تجارتهم باقبال كبير إذ يردع التجار المشكوك في قيامهم بتسليم الإمدادات ويعاقبهم في حال عدم تسليمها، وفي أوقات أفضل فرضت سورية مبالغ تأمينية على الموردين. ولكن قدرة الحكومة على الدفع باتت محل شك الآن وهو ما ساهم في إبعاد الكثير من الشركات عن المناقصات. ودافع مصدر في المؤسسة العامة لتجارة وتصنيع الحبوب عن هذا الشرط في اتصال مع رويترز قائلا إن التأمين المطلوب يجب ألا يتغير فهذا شرط عادي لأي مناقصة. إذا كان التجار يشعرون أن هناك خطورة متزايدة في التعامل مع سورية فينبغي أن ينعكس ذلك في أسعارهم وليس في تغيير شروط المناقصات كليا. ولكن التاجر المقيم في الإمارات يرى أنه لا يوجد سعر يمكن أن يعوض عن المخاطر التي تحف توصيل الأرز أو القمح للموانئ السورية وعدم القدرة على تحصيل ثمنها، وأكد أنه لا جدوى من عرض أسعار أعلى.
مشاركة :